عندما تجلس مع طغمة من الناس، تتجاذبون أطراف الحديث، في واحة غناء، أو حتى في مقهى مثلاً، فلا أعتقد أن تلكم الأولى متوفرة حالياً، يتكلم ذاك الشخص فيصفه أحد الحضور بالفيلسوف، يشاهدون التلفاز فيخرج لهم شخص يتكلم في الثقافة فيقول بلهجته العامية «يا رجال خل عن يتفلسف» أهرطقات يطلقها؟! (الفسلسفة)، بمجرد سؤالك أو نقاشك في معنى (الفلسفة) يعتبر بحد ذاته فلسفة! أول من عرف الفلسفة هم الفلاسفة اليونان، وشعبوا الفلسفة إلى فلسفة واقعية وفلسفة اسمية وأخرى كثير. إن أول من وصف نفسه بفيلسوف هو فيثاغورس، والفلسفة هي لفظة يونانية الأصل تتكون من «فيلو» أي محب و «سوفيا» بمعنى الحكمة، ومن رواد الفلسفة أرسطو وأفلاطون ونيتشة وسقراط والمسلم ابن رشد، والملحد ابن سينا الذي كثيراً ما خدع به بعض الناس الذين يفتخرون به، وإنما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (ابن سينا إمام الملحدين). ظهرت جماعة أخرى تنافس الفلاسفة، وتدعي حكر الحكمة عليها فقط، اسمها السفسطة، نشأت كذلك في اليونان بعد تضييق حكم الأوليغارشية، وظهور طبقة تمثل الشعب، ومن رواد السفسطائيين، بروثاغوراس، وهيبياسي وبروديقوس، والسفسطائيون عكس الفلاسفة. ولنأخذ الفينومينولوجيا لإدموند هورسل مثالًا على الفلسفة، وفينومينولوجيا هورسل تدرس الظواهر الطبيعية الفيزيائية، بالرغم من أن هذا المعنى قد أتى به البرجماتي شارلز وأرنست ماخ، ولكن المواضيع التي يدرسها هورسل في الفيمومينولوجيا ظواهر الوعي من العالم الخارجي الحقيقي، وطريقة إدراكه لها وكيفية حضوره والربط بين ذلك، وقد ظهرت قبل ذلك عند كانط، الذي يدرس المعرفة كونها ظاهرة في الوعي يمكن دراستها وتحليلها وكذلك عند تلميذه كارل شتومبف، وعرف به أيضاً تلاميذ إدموند هورسل، مثل موريوس ميرلوبونتي و لودفيج لاندجريبه وهايدجر مارتن وغيرهم كثير. ولابد أن أورد مثالاً للفيلسوف المسلم قاضي قرطبة ابن رشد، الذي كان يحترمه علماء أوروبا في العصور الوسطى، وأورد دانتي اسمه في إحد رواياته، وأورد عنه جيمس جويس أيضاً في إحدى رواياته، وقد قال الذهبي: (إن ابن رشد ما ترك الاشتغال مذ عَقَل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وأنه سوَّد فيما ألَّف وقيَّد نحواً من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة، وله من التصانيف: بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، والكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول). وقد كان لابن رشد كثير من الفضل على فلاسفة الغرب فهذا روجر الفيلسوف الشهير الذي عكف على مؤلفات ابن رشد يقول عنه: (إنه فيلسوف متين متعمق، صحَّح كثيراً من أغلاط الفكر الإنساني، وأضاف إلى ثمرات العقول ثروة لا يُستغنى عنها بسواها، وأدرك كثيراً مما لم يكن قبله معلوماً لأحد، وأزال الغموض عن كثير من الكتب التي تناولها ببحثه) هذه كانت سطوراً موجزة في الفلسفة وأثرها وأنموذجاً لهورسل و0خر لابن رشد صحبتكم العافية في حلكم وترحالكم.