يفخر المسلمون في جميع بقاع الأرض بكونهم ينتمون إلى أمة العلم والحضارة التي أشعت بنورها على الأمم الأخرى وصدرت العلوم الحديثة إلى أوروبا التي كانت غارقة في ظلمات الجهل في القرون الوسطى, ولطالما نسبت الكثير من النظريات العلمية إلى عباقرة مسلمين عاشوا في القرون الوسطى إبان ازدهار الحضارة الاسلامية, لكن هؤلاء العباقرة لم يكونوا مسلمين برأي الكثير من المسلمين أيضاً في تناقض صارخ يبدو كعملية نسف تاريخية لظاهرة الفخر بعبقرية الحضارة الإسلامية في تلك العصور! يقول لويج رينالدي في بحث بعنوان "المدينة الإسلامية في الغرب": "ومن فضل المسلمين علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس ألاكويني ، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين". وتذكر المصادر التاريخية الإسلامية أن ابن رشد كان قد تسلم القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة, لكنه اتهم بالكفر بعد ذلك لاشتغاله بالفلسفة ثم تم نفيه إلى "أليسانة" وهي بلدة صغيرة بجانب قرطبة كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرقت جميع مؤلفاته ، ثم تم حبسه ليخرج بعد فترة قصيرة وينتقل إلى بلاد المغرب التي توفي فيها! ومن أشهر علماء المسلمين العباقرة أيضاً "ابن سينا" الذي عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء و أبو الطب الحديث. وقد ألّف نحو 200 كتاب في مواضيع مختلفة، عديد منها يركّز على الفلسفة والطب. كما يعد ابن سينا من أوائل المسلمين الذين كتبوا عن الطبّ في العالم ولقد اتبع نهج أبقراط وجالينوس. وأشهر أعماله كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب. لكن نظراً لانشغاله بالفلسفة والنظريات الطبية ونتيجة لبعض أفكاره فقد كفره الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"، و أكد المعلومات نفسها ابن كثير في البداية والنهاية. كما ذكر ابن عماد في "شذرات الذهب" أن كتابه "الشفاء" اشتمل على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين. أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أكد أنه كان من إحدى الفرق التي وصف أتباعها بأنهم ليسوا من المسلمين أو اليهود أو النصارى! وقد هجاه ابن القيم في كافيته التي منها قوله: "هذا الذي قاد ابن سينا والألى قالوا مقالتَهُ إلى الكفران!" ويجدر بي أن أشير إلى أن "ابن رشد" و"ابن سينا" ليسا سوى نموذجين من قائمة طويلة من عباقرة المسلمين الذين لاقوا المصير نفسها وألهبت حياتهم سياط التكفير. إنني أتساءل بحق عما يمكن لأحدنا قوله اليوم إن افتخر بهؤلاء العباقرة وجاءه الرد بأنهم ليسوا مسلمين كما يدعي.. وهذا طبعاً بناء على آراء المسلمين أنفسهم!