ما أحوجنا اليوم لإعادة تقويم أوضاعنا الثقافية، وما تشهده المنطقة من فوضى فكرية، نعتقد تماماً أنها تخلط كل الأوراق، وتربك كل مفكر عاقل يستطيع بحيادية وعقلانية متزنة، قراءة المشهد، من مختلف زواياه ويقيّم مخرجاته ومعطياته في أدق التفاصيل وأهمها، قراءة شاملة دقيقة، وإزالة ما علق من شوائب في عقول كثير من الدعاة والمفكرين والمثقفين. والعمل بمبدأ البحث عن الخلل وتلافي الأخطاء وإصلاح ما فسد في خطابنا الفكري والثقافي. إذا كنا صادقين في الإصلاح وتصحيح المسار، علينا أن نبدأ بتصحيح القيم الأخلاقية في الحوار والطرح، والإحاطة بكل سلبيات عطاءاتنا الفكرية وما يعيق وحدتنا الثقافية ويوحد خطابنا الفكري، ويلم شتات أفكار من يعوّل عليهم في قيادة وريادة هذا التصحيح حفاظاً على وحدة الوطن ووحدة القومية العربية، وإن كان هذا المصطلح يزعج بعضهم ويُختلف عليه، لكنه على الأقل له مقاصده وغاياته، خاصة في هذا الوقت الذي أصبحنا أكثر تحسراً وندماً على ما كان عليه خطابنا العربي الثقافي والسياسي، وقد جمعتنا قضية واحدة بعد هزيمة 67، وما كان ليحدث ما حدث، من خلط في المفاهيم واختلاف في الرؤى، في وقت نحن أشد الحاجة فيه لإزالة الخلافات، والتواصل بين النخب التي مازالت تحمل القيم والمفاهيم وصولاً إلى تحقيق هدف واحد وهو الحفاظ على كيان وحدتنا، والوقوف أمام كل المخططات التي تستهدفنا ثقافياً واجتماعياً وسياسياً. بعيداً عن قراءات واستنتاجات كثير من المنظرين والمفكرين، في الحوارات الجدلية التي تدور حول المستقبل، وما ستنجم عنه كل المؤشرات والمتغيرات الفكرية والسياسية، والصراعات القائمة، ونحن نحصد حصاد حروب فوضوية، حار في وصفها والتعاطف أو التخاصم معها المفكرون والمثقفون، كما اختلفوا في أسبابها، وقد قلت قبل أن تبدأ هذه الفوضى، من خلال معطيات أزمات كثيرة وقعت فيها الأمة، إنه من الضروري إعادة تشكيل هوية العقل العربي، وإعادة صياغة طبيعته، كونه المخرج الوحيد من أزمتنا الفكرية والفوضى الثقافية التي نعيشها، ونحن نواجه حركة استعمارية جديدة لمعاهدة (سايكس بيكو) التي لو عدنا لسيرتها الأولى وبنودها القديمة، لتمكنا من التخلص من كثير من الأوهام التي نعيشها، وحالة الخضوع التي نحن مستسلمون لها. وعلينا أن نتذكر أن كثيراً من مفكرينا وعلمائنا العرب الأوائل، فكروا واجتهدوا، في سبيل إزالة كثير من الشوائب التي أصابت الفكر العربي، فما بالك بحالنا اليوم وقد أصيبت الأمة عامة ونخبها بالشلل والانفصام؟!. ولعلنا نذكر بكثير من الفخر اجتهادات المفكر الدكتور محمد أركون، الذي حدد مفهوماً جديداً للاجتهاد في الفكر الإسلامي وحث على الانتقال إلى نقد العقل وشوائب الفكر بعيداً عن المفاهيم الضيقة والتفكير المغلق. أما محمد عابد الجابري فكان صراعه مع التقليديين صراعاً تاريخياً حول، دعوة الإصلاح وثورة التجديد، ونجح في إزالة اللبس حول مفهوم إعادة الوعي بأخذ فرضيات التجديد ومفاهيم تحديات الإصلاح، من أجل أوطاننا وشعوبنا.