تميل النظرة التقليدية تجاه علاقة المترجم بالنص الذي يقوم بترجمته أو بالكاتب المترجم له إلى اعتبار المترجم مبدعاً من الدرجة الثانية على أحسن تقدير. أي أنه لا يبدع نصاً من العدم، إذا جاز لنا قول ذلك وإن صح الحديث عن مثل هذا النوع من الخلق في الكتابة، بل يتكئ على نص موجود مسبقاً، ويقوم بإعادة إنتاجه وكتابته بلغته ليصبح ذلك النص المترجم جزءًا من تلك اللغة، وذلك بالطبع بافتراض أن المترجم متمكن من صنعته ومستكمل لأدواته. ولهذا السبب لا يحظى المترجمون عادة بالشهرة والمكانة اللتين يتمتع بهما المؤلفون والكتاب الأصليون، وإن حدث ذلك ففي حالات قليلة واستثنائية. ويكاد هذا الأمر أن يكون مشتركا كونيا في جميع الثقافات واللغات دون استثناء. ولكن هناك من النقاد والكتاب والدارسين من يسبح عكس تيار هذه الفكرة المهيمنة، ويسعون إلى نقضها، وهؤلاء يبقون قلة قليلة لا تزعزع الفكرة المهيمنة والانطباع المسيطر والنظرة الطاغية. يقال في هذا السياق، على سبيل المثال، أن عدداً من ترجمات رباعيات الخيام وبلغات مختلفة تفوقت على الرباعيات بلغتها الأصلية، كترجمة أحمد رامي إلى اللغة العربية وترجمة إدوارد فيتزجارلد إلى اللغة الإنجليزية التي أصبحت من عيون الشعر الإنجليزي. من بين أبرز أولئك الكتّاب القائلين بهذا الرأي يأتي الروائي الإنجليزي ذو الأصل البولندي جوزيف كونراد، صاحب الرواية الشهيرة «قلب الظلام» حين اعتبر سكوت مونكريف «لم أسمع باسمه من قبل شأن كثيرين غيري كما أفترض» الذي ترجم الرواية الأشهر والأضخم للروائي الفرنسي مارسيل بروست «البحث عن الزمن الضائع» أو «بحثًا عن الزمن الضائع» أكثر براعة من بروست نفسه. هذا الرأي أوردته جين فيندلي في كتابها «مطاردة الوقت الضائع» الذي تناولت فيه سيرة مونكريف «جنديا، وجاسوسا، ومترجما» كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب الذي كُتبت عنه مراجعة مطولة في ملحق التايمز الأدبي في 31 أكتوبر الماضي. قد يبدو هذا الحكم من قبل كونراد على شيء من المبالغة لأول وهلة، وربما عكس تعصبه للغة الإنجليزية التي كتب بها أهم أعماله، وأصبح من أبرز أدبائها على الرغم من أنها ليست لغته الأولى. غير أن «أ. ن. ويلسون»، الذي قام بمراجعة الكتاب، يتساءل عن وجاهة مثل هذا الرأي ولا يستبعد صحته ويقول: ألم يكن بروست الذي لم تمكنه ظروفه الصحية السيئة في أواخر حياته من إكمال رائعته بحاجة إلى شخص آخر ليعيد كتابتها بشكل متقن، تماما كما حدث مع أرسطو الذي ظلت كتاباته ومحاضراته شبه ضائعة ومغيبة ولم يتمثلها الوعي الثقافي الأوروبي إلا بعد أن تم نقلها وترجمتها، في بداية الأمر إلى اللغة العربية، ومن ثم إلى اللغة اللاتينية، وبعد ذلك إلى اللغات الأوربية الحديثة بدءاً من اللغة الإيطالية على يد توما الأكويني؟ السؤال الذي قد يثار في هذا السياق أيضًا هو: ألا يمكن أن تكون الترجمة أكثر صعوبة من التأليف، وكتابة نص جديد بوجه من الوجوه، ومن زاوية نظر معينة؟ بمعنى أن المترجم يواجه صعوبة مزدوجة حين يقوم بالترجمة، فهو يبذل قصارى جهده لينزع عجمة الترجمة عن النص المترجم ويصوغه بطريقة يبدو فيها وكأنه قد كتب أصلاً باللغة المترجم إليها، دون أن يخل بأفكار النص الأصلي أو يقوّله ما لم يقله، على عكس المبدع الأول الذي لا يقيده نص أصلي يضعه نصب عينيه في خضم عملية الكتابة. إنها أسئلة مشروعة تستحق الوقوف عندها وإمعان النظر فيها. الجميل في كل ما سبق هو أن يخص كاتب ما سيرة أحد المترجمين البارزين بكتاب يتناول فيه حياته ومنتجه المترجم «الإبداعي»، سعيًا منه ربما إلى تغيير شيء من الصورة القارة عن المترجم بوصفه مبدعًا من الدرجة الثانية.