غالباً ما يُحمّل الإنسان الطبيعةَ أوزاره إمّا تجنياّ عليها أو كي يكتم صوت ضميره، هذا، إن كان لضميره صوت، ومثال ذلك الغرور، فعندما أراد أن يجمّل غروره خلع عليه اسماً مشتقاً من النّرجس، هذا النبات الجميل ذو الزهرة الفاتنة والمزايا المتعددة، فيقال فلان نرجسيّ، وشخصيّة نرجسية، فما الرابط بين الغرور والنرجس؟ النرجس نبات بُصيلي، وموطنه الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط وأواسط آسيا وله ساق ترتفع عن الأرض قرابة 50 سنتيمتراً تعلوها زهور بيضاء أو صفراء تنحني بانكسار نحو الأرض ومن هنا جاء غزل الشعراء بالعيون التي يكون فيها فتور. غُضي جُفونكِ يا عُيُون النَّرجسِ إنَّ المَلاحَةَ للعُيُونِ النعّسِ وتقول الأسطورة اليونانية أنّ أميراً شديد الوسامة قد خرج يوماً مع أصدقائه في رحلة صيد فلمّا شعروا بالتعب لجأوا إلى بحيرة قريبة ليشربوا من مائها ويستظلوا بأشجارها فجلس الأمير على حافة البحيرة وعندما نظر إلى الماء ورأى صورته أعجب بوسامته أيّما إعجاب وأخذ ينظر إليها ولا يكاد يرفع بصره، وعندما قرر أصدقاؤه العودة رفض ذلك وأصر على البقاء ولم يغادر معهم إلّا عندما وعدوه بالعودة مرة أخرى، وفي إحدى المرات قرر الأصدقاء أن يذهبوا إلى وجهة أخرى ويصطحبوا معهم أميرهم لكنّه رفض أن يرافقهم وذهب بمفرده ليتمتع بالنظر إلى صورته كعادته وعندما اقترب من حافة البحيرة وكانت قد تغطت بالطين تزحلقت قدماه ووقع في الماء ومات غرقاً، فلمّا تأخر عن وقت عودته خرج أصدقاؤه للبحث عنه ولما جاءوا إلى البحيرة وجدوه جثة تطفو على وجه الماء، فحزنوا حزناً شديداً وحين أطل الربيع ببشاشته خرج الأصدقاء لزيارة البحيرة وفاء لصاحبهم فإذا بزهرة فاتنة قد نبتت مكان جلوس الأمير فأطلقوا عليها اسم نرسيس نسبة إلى أميرهم نرسيس المفتون بنفسه، تلك هي زهرة النّرجس.