لا أشك أن جميع المسؤولين – وأخص مسؤولي الثقافة والتعليم- صادقون في مواجهة المدِّ الداعشي الذي بدأت تتمظهر جراثيمه وطفيلياته وعفنه في التعليم والجوامع وبعض المنابر الحيوية في الدولة. فها نحن نشاهد بين فترة وأخرى المقاطع اليوتيوبية التي تبشرنا بغلوائهم وسوداويتهم. لا أشك أن المسؤولين صادقون في حربهم، ومن الطبيعي أن يكونوا صادقين، فهم يدركون جيداً أن الخسائر المحتملة لاستحكام المد الداعشي لن تكون فقط على المستوى الوطني والاجتماعي، بل ستتعدَّاه إلى المستوى الشخصي. وكلنا يعلم حقيقة هؤلاء المتخلِّفين، وكيف سيقلبون الدنيا رأساً على عقب، ولعل خطاب خادم الحرمين الشريفين كان واضحاً حين قال «وأولهم أنا». ولكن، هل يكفي ثقتنا بصدقهم في محاربة هذا المدِّ الظلامي لننام آمنين مطمئنين في بيوتنا؟! أم أننا نحتاج -مع هذه الثقة- أن نتلمَّس استراتيجية وخططاً واضحة لمحاربتهم والقضاء عليهم، أقلُّها في وعي وذاكرة أطفالنا الذين يجب أن يُنشَّأوا على وعي ثقافي مختلف. أتساءل دائماً حين أطالع البرامج الثقافية والتعليمية والفنية في بعض دول الجوار الخليجي والعربي: أين نحن من هذه المشاريع الكبيرة التي تصنع الإنسان قبل صناعة الإسمنت؟ أين نحن من ثقافة الآخر التي يتعايش معها أطفالهم قبل معرفته بمنطقته وقبيلته ومذهبه؟ أين نحن من شعور أطفالنا بحميمية الطين والأرض والإنسان والوطن بمعزل عن دينه وعرقه؟، لا أدري إن كانت هنالك مخططات ثقافية وتعليمية وفنية لمحاربة «داعش» أم لا!، لكنني واثق أنها -إن وجدت- فهي مخططات لم تتجاوز -مع الأسف- نفسها دون ملامستها الأرض. رغم ذلك أقول: أرجوكم، إن لم تقدِّموا شيئاً لدحر الدواعش فلا تساهموا في إنتاجهم من جديد، فالمسؤولون في الثقافة والتعليم لا يقلُّون أهمية عن هيئة كبار العلماء والمشايخ الذين واجههم الملك بواقعهم.