تمثل خطب الجمعة أهمية بالغة في النصح والتوجيه والإرشاد الديني وتكرس مناخا إيمانيا روحانيا انفراديا تتوجه من المنبر إلى قلوب وعقول المصلين. دائما ما توجه الشؤون الإسلامية خطباء وأئمة المساجد إلى أهمية الخطب وأهدافها وتقنينها وفلترتها بما يوائم الحال والواقع والمستقبل وتوجيه الخطبة في قناة تصلح الأمة، ولعل خطبتي المسجد الحرام والمسجد النبوي أنموذجان رائعان للخطب الرائعة المتفردة، التي تعد كل واحدة منهما درسا ومنهجا صالحا للحاضر والمستقبل ويعكس حالا ويصف الحلول بطريقة دينية علمية وأتمنى أن يستمع خطباء الجمع لدينا للسير على نهجها وسلاستها وتوازنها وآليتها المميزة. ورغم التوجيهات لا تزال خطب بعض الجوامع لدينا خطب تلقين وتوجيه لأمور اعتيادية وبعضها يركز على الوعيد والتهديد والويل وعاقبة الأمور وتركز على مواضيع مستهلكة حتى أن معظم المصلين يخرجون منها بلا فوائد. فبعض الخطباء يظل أعواما على التكرار وعلى طريقة الصوت الفجة القوية وعلى ذات الألفاظ دون أن يحول الجمعة إلى خطب مشوقة بكلام جميل ولغة سلسة تناسب الجميع، فهنالك من المصلين الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب وهنالك الوافدون الذين لا يعرفون معظم الألفاظ وهنالك أطفال وناشئة في بداية التعليم وآخرون من ذوي التعليم المحدود وأصحاب الثقافة المنعزلة والمحدودة، فتبقى الخطبة بهذا الأسلوب والطريقة والمنتج «أسلوب خطابة» بعيدا عن المنهج وخارج إطار الفائدة والنتائج والعمل بما يستفاد، وآخرون يصرون على تحديد إطار الخطبة بالمواضيع الدينية البحتة دون ربطها بالمجتمع والظواهر الحياتية وإبقائها في قالب الصوت القوي وتحديدها بإطار محدد من التعاليم الدينية وربطها بالعقاب. ولا ينسى هذا النوع من الخطباء أن يضخموا الصوت بصورة قد تجعل معظم من في الجامع لا يعرفون مخارج الحروف ولا نهاية العبارات فتبقى خطبة غير مفهومة. ونوع ثالث من الخطباء يؤدي الخطبة على أنها «تأدية واجب» وإنهاء عمل ومهمة أسبوعية يؤديها ويجهزها كيفما اتفق، فيعتمد على كتاب لديه أو على خطب من الإنترنت قد لا تتفق مع حال أهل الجامع ومع مستقبل وتحديات وواقع المصلين فيقع تحت وطأة التكرار الممل والنتائج الغائبة ويظل الخطيب معتمدا على أساليب بدائية غير مجدية. ونوع آخر يعتمد على الخطب الطويلة متوقعا أن طول الوقت سبيل إلى الفائدة وإلى الإنجاز العظيم وهو بذلك يرهق المصلين ولا يصل إلى فوائد الخطبة وبالتالي تضييع النتيجة وقد يدخل معها أمور عدة ويخلطها في قالب خطبة واحدة فتكون خطبة غير مفهومة وخارج المنطق والهدف. خطبة الجمعة ليست مجرد خطبة عصماء لاستعراض الأصوات ووضع المصلين أمام العقوبات بل هي درس أسبوعي ومنهج ديني فضيل ونبراس حياتي قويم يجب أن يخرج المصلون منه بفوائد ومصالح لدينهم ودنياهم. خطبة الجمعة رسالة إيمانية مهمة جدا وحياتية والواجب أن تربط الدين بالحياة والدنيا بالآخرة والفرد بالجماعة والصلاح بالمستقبل لا أن تعتمد على التكرار وعلى عزل الحياة بمقتضياتها عن الدين . خطبة الجمعة تتجه نحو كل الشرائح من متدينين ومتعلمين وأميين ونساء وأطفال وشباب وكبار سن وبسطاء وأغنياء ومتقين وأصحاب سيئات، وكي تصل إلى الكل لا بد أن تكون اللغة سلسة سهلة واضحة المعاني متراتبة متسلسلة العبارات واضحة المعاني هادئة متوائمة مع عقول المصلين ومستوياتهم حتى نصل للفائدة المرجوة. خطبة الجمعة درس متغير بتغير أحوال الأمة وحالتها ومستقبلها لذا يجب البعد عن الدروس المكررة والقديمة والجاهزة والحرص على التجديد والابتكار، وعلى الخطباء أن لا يعتمدوا على الخطب الجاهزة بل يجب أن يقرأوا كثيرا وأن يبحثوا وأن يتفقهوا وأن يتفننوا وأن يتابعوا مستجدات الأمة ومتغيراتها، وأن يعد ويعتبر كل واحد منهم أن الخطبة منهج وكتاب من تأليفه سيضع اسمه عليه في أذهان الناس وفي سجلات أعمال يوم القيامة ولكل مجتهد نصيب في الدنيا والآخرة. خطبة الجمعة تذهب للعقول والأفئدة كي تزرع الفائدة.. ومن الواجب أن ترتبط الخطبة بأسلوب التشويق واجتذاب العقول وجذب الأفئدة وأن تربط التعليم والدين وأن تستند على أسلوب يجمع الآيات والأحاديث الطاهرة المراد مناقشتها وسرد القصص والعبر بأسلوب مميز حتى ترسخ في الأذهان وحتى يذهب كل مصل إلى أهل بيته أو أصدقائه بعد صلاة الجمعة كي يشرح لهم الفوائد والعظات والنتائج وهنا نكون قد حققنا النتائج بكل معانيها. وزارة الشؤون الإسلامية مطالبة بمتابعة الخطباء وتوفير رقابة وتقارير أسبوعية مفصلة على أن تقرن بالنتائج ولا بد أن تعيد الوزارة وبعض الخطباء النظر في الخطب وآلية إلقائها وخططها وعوائدها ونتائجها وأنا على يقين أن الخطب ستتجه إلينا نحو الأميز والأفضل مستقبلا.