يبدو للمراقب، كما لو أن ميزان التعليم في المدارس، اختل، ورجحت كفة السلوك الخاطئ والخصومة بين الطلاب والمعلمين، على حساب كفة القيم والاحترام والصداقة والمحبة، بين طرفي العملية التربوية، وهو ما يوجب التوقف عند هذه الظاهرة والغوص في أسبابها، عبر استطلاع آراء الطلبة ومعلميهم، وكذلك التوقف عند الرأي النفسي الاختصاصي الذي يشخص هذه الحالة ويفسرها ويوجد لها الحلول المناسبة والتوصيات الملائمة. الطالب نادر مشهور الجميعي بدا محباً لمدرسته رغم السلوكيات التي بدأت تطغى على كثير من الطلاب وهو واحد منهم، قائلاً: أجد نفسي وزملائي مرتبطين بالتقنية الحديثة خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وأضاف: يضيع جزء كبير من وقتي في اللعب والتواصل مع الأصدقاء عبر الواتسآب والتويتر والفيسبوك. مشيراً إلى أن دور المكتبة المدرسية بدأ يتضاءل. وقال: لا يوجد في جدول اهتمامي أي نصيب لهذه المكتبة، ولا حتى التلفاز، فأنا مشغول أكثر وقتي مع وسائل التواصل التي أمتلكها بين يدي. وقال الجميعي: إن أكثر سلوك الطلاب تجاه معلميهم هو ردة فعل كتمرد الطلاب على القسوة من قبل بعض المعلمين، وقال إن المعلم في نظري ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه. مشيراً إلى أن هذا الضعف ناتج من تنظيمات الوزارة، وهذا لا يسعدني. مطالباً ببيئة تعليمية جميلة تحتضن اهتماماته خاصة وهو عائد من الصين التي قضى بها خمس سنوات، وقال: إن أقل مدرسة في الصين مما شاهدت هي أفضل من أي مدرسة خاصة رأيتها في المملكة. وقال الطالب طاهر الزهراني إنه لا يجد في المناهج ما ينقل الصورة المثالية للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية القديمة، وقال: إن مادة المهارات الحياتية لدينا كطلاب مادة ثانوية غير مهمة فلا نهتم بها كمادة الرياضيات مثلاً، متمنياً تفعيل الأنشطة اللاصفية في المدارس وإيجاد برامج تدريبية. وأضاف الزهراني قائلاً: أتمنى أن أجد طعاماً جيداً ونظيفاً في المقاصف المدرسية، وقال: إن ما يباع في مقاصفنا سيئ وغير طازج بل هناك من زملائي من يهرب لكي يتناول إفطاراً شهياً فقط. متسائلاً: لماذا نضطر لدفع أمثال هؤلاء للهروب من المدرسة من أجل وجبة؟ وقال: بالتأكيد إن هذا السلوك الطلابي غير مرغوب فيه، ولا ينم عن خلق جيد، لكن في نفس الوقت قد يكون الطالب مدفوعاً ومعذوراً نظراً لعدم وجود خدمة جيدة تجعله لا يفكر في ذلك. وقال الطالبان نواف الحارثي وأحمد أبو سرير إن المعلمين يختلفون في تعاطيهم مع الطلاب؛ فمنهم من يجعلنا نحبه ونتقبل منه كأنه أب، ومنهم من ينفرنا منه ويجعلنا نتجاوز عليه، ويضطرنا لأن نكرهه. وقالا: هؤلاء عادة ما يصادرون آراءنا ويهمشون إرادتنا، مطالبين بمزيد من الرفق والاحترام، وكذلك بمزيد من مرافق الرياضة والترفيه في المدرسة، وهو ما وصفاه بالتكامل، فمن جهة ضرورة التعامل الحسن من قبل المعلمين، ومن جهة أخرى وجود المرافق الخدمية والترفيهية التي تحمس وتحفز على العملية التعليمية. من جهة أخرى قال مدير مجمع الأمير سلطان التعليمي أحمد القحطاني إن سلوك الطالب ينشأ من تربيته في المدرسة والبيت معاً. وقال: كلا هذين العاملين يؤثران في نشأة الطالب وسلوكه. وأضفا: لدينا لائحة تنظيم السلوك، وهي لائحة توزع على كل طالب من نسختين، نسخة تبقى مع الطالب وولي أمره، ونسخة أخرى يوقع عليها ويعيدها للمدرسة، وهي بمثابة اتفاقية بين الطرفين. مشيراً إلى أن احترام المعلم واجب ويصدر من الطالب ذاته الذي يفرض احترامه ويقدم حسن المعاملة ليجني خير ما زرع. ويعتقد القحطاني أن مكامن القوة ليست في فرض النظام، بل في تقريب وجهات النظر ثم التعاون على تطبيقها. لكنه قال: قد تحدث بعض الأخطاء ولا بأس في ذلك، فهذا أمر طبيعي. موضحاً أن الطالب معرض للخطأ بسبب نقص الخبرة والدراية، مؤكداً أن هذه اللحظة هي لحظة بروز دور المعلم والمربي الذي ينبغي أن يكون يقظاً لمعالجة السلوكيات وتقويمها. وعن البيئة المدرسية الجاذبة للطلاب قال القحطاني: إن إمكانات مدارسنا في المملكة تفوق عواصم العالم، وكل ما ينقصنا هو الرغبة في التغيير. موجهاً عدة رسائل في إطار طرح الحلول لمعالجة سلوكيات الطلاب، مبيناً أن البداية والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الإعلام. موضحاً أهمية أن يكون مسانداً ومحتضناً للمعلم وقضاياه وإبراز أهميته ودوره في بناء المجتمع، وأن يكون ناقداً بنّاءً لا متربصاً لأخطائه. أما الرسالة الثانية فوجهها لوزارة التربية والتعليم التي دعاها لمواصلة ما بدأته من خطوات صحيحة بقيادة وزير التربية الذي يشهد تحولاً تاريخياً في مسيرة التعليم. مشدداً على أهمية التراجع في هذه العملية التطويرية. أما المعلم فكانت الرسالة الثالثة له، داعياً إياه للتحلي بالصبر والخلق الرفيع في تعامله مع الطلبة، وأن يستشعر الإخلاص في تربيته وتعليمه. وتأتي رسالته الأخيرة لولي الأمر قائلاً: إن كل ما نقوم به هو عمل وتكريس لمسعاك وجهدك في تربية ابنك، فلا بد لك من تواصل ودعم ولقاء. مشدداً على تعاون الأسرة لما له من إسهام في إنجاح الجهود وتضافرها. وخلص القحطاني إلى القول: إن عملية تقويم سلوك الطالب منظومة مشتركة بين الأسرة والوزارة والمدرسة، فبدون تكاتف الجهود وتعاضد المجهودات لن تكتمل العملية التعليمية، ولن نتمكن من معالجة السلوك الخاطئ الذي قد يعتري الطلبة، الذين هم أولاً وأخيراً جزء منا. من جهته اتهم أستاذ الاجتماعيات المعلم فيصل باقطيان الوزارة بالتخبط في القرارات والبرامج التربوية المتغيرة باستمرار والناقضة بعضها بعضاً. وقال: أصبحت المؤسسة التعليمية مختبراً للتجارب، وطالب بالتركيز على أنموذجٍ علميٍ ناجح وتطبيقه، كما حمل الإعلام جانباً من سقوط هيبة المعلم بطريقة عرض مشكلات الطلاب مع معلميهم وإبراز المعلم بصورة الضحية المغلوب على أمره. مقترحاً أن يكون معلمي المرحلة الثانوية أكبر سناً من حديثي التخرج ليكونوا أكثر احتراماً لدى الطلاب، كما يجب على المعلمين تفهم لغة العصر والنزول للغة الشباب التي كنا نراها غير مناسبة لما نراه نحن مناسباً. وطالب باقطيان بعدم التعويل على النظام المحاسبي والتلويح بالعقاب عازياً ذلك لضعف الحيلة. وفي المقابل طالب بإشاعة الحب وخلق بيئة تعليمية جاذبة للمتعلم تجعله هو من يحافظ على مكتسبات مبناه المدرسي ومرافقه التي تمثل له الملجأ وركن الترويح والاشتغال المعرفي والمهاري والترويحي. متسائلاً: أين المسابح والحدائق والمرافق من مدارسنا؟ ومجيباً بأن توفير مثل هذه المرافق سوف يكون له دور كبير في زرع البهجة والسعادة لدى الطلبة والمعلمين في نفس الوقت، وربما يخلق نوعاً من الألفة بينهما، لوجود أشياء مشتركة. وذهب المعلم ماجد بن سفران الثبيتي «معلم لغة عربية» لنقض رأي زميله باقطيان وقال: إن مجمل سلوك الطلاب طبيعي ومقبول جداً ولا يعد ظاهرة تستدعي البحث والتقصي عن حلول. مشيراً إلى أن الطالب كائن يعبر عن بيئته فإذا ما ابتلي بمعلم دون المستوى الثقافي والمهني لا يستطيع أن يجاريه فليس من المنطق محاسبته على ردود أفعاله تجاه ذلك. لكن الثبيتي من جهة أخرى اتفق مع ما ذهب إليه باقطيان من أن سلوك الطالب يصدر من منظومة متكاملة في المجتمع، فتدني سلوكه يعني بالضرورة تدني أداء الأسرة والمعلم والمجتمع وروافد المعرفة والإعلام والثقافة، فإذا نظرت لعدم مبالاة الطالب فانظر لعدم مبالاة المعلم بأداء عمله وسلوكيات والده في الطريق.. وهكذا. وقال المرشد الطلابي ثروت سندي والحاصل على ماجستير التربية إن سلوك الطالب الفردي لا يحسن استهجانه، ولكن يحسن تضافر الجهود لدراسة ما يعد ظاهرة من سلوك مشترك من عدد من الطلاب. وبحسب نوع السلوك نقوم بتشخيصه، والنظر إلى مدى حدته ومدى تكراره ومن ثم مسبباته، ووضع خطط علاجه بعيداً عن التعجل وأخذ الأمور من زاوية واحدة، وهو الأمر الذي سيجعلنا نضع الحلول المناسبة لكل سلوك على حدة. وقال الاختصاصي النفسي الدكتور جبران يحيى أستاذ مادة المهارات الحياتية والأسرية: إن أحد أهم السلوكيات السلبية داخل المجتمع المدرسي هو السلوك العدواني، وهو إما أن يكون سلوكاً مباشراً على الأشخاص كإلحاق الأذى بالآخرين أو بنفسه، مثل (إلحاق الأذى بالطلاب، والمعلمين) والعدوان والسيطرة على الطلاب يسمى (تنمر). وأضاف: قد يكون العدوان مادياً مثل إتلاف الممتلكات وتخريب مرافق المدرسة. كما أن سلوك العدوان يقع نتيجة ظروف معينة مثل الإحباط والغضب. وقال: وفقاً لنظرية الإحباط أو الإجهاد العدواني فإن الأشخاص المحبطون الذين لا يحققون أهدافهم يصبحون مجهدين وعدوانيين. وعدد جبران أسباب السلوك العدواني مبيناً أن أهمها التربية القسرية والمبالغة في السلطة. وقال: قد يبالغ الآباء والمعلمون في السلطة الوالدية، وتقييد حرية أبنائهم بهدف تعليمهم الانضباط، ويدفعهم الخوف على أبنائهم. أما السبب الثاني فذكر أنه الشح في مصادر الترفيه وتفريغ الطاقات، وهو ما يدفعهم إلى العنف. أما السبب الثالث فهو سلوك التحدي. معتبراً أنه علامة بارزة للمراهقين، التي تظهر فيها الحاجة لتقدير الذات، ويعبر عن هذه الحاجة بالعدوان والتمرد فيتسم بالمجادلة، ويكون صعب المراس ويسعى لإثبات نفسه بالعناد والتحدي. أما أهم أسباب الفشل في المهام التعليمية أو الفشل الدراسي فتكمن في أسباب بيولوجية ونمط الشخصية، ذاكراً من أهمها العوامل الوراثية سواء الوراثة الجينية، أو ما يسمى بوراثة السلوك بالتعلم، موضحاً أن جنس الطالب يدخل ضمن العوامل المؤثرة، فالأولاد أكثر عدائية من البنات؛ لأن الهرمونات الجنسية لها دور في تحفيز الأدرنالين. وأضاف: كما يلعب نمط الشخصية والحالة المزاجية للطالب دوراً مهماً في العدوان مثل الشخصيات التي تتسم باضطراب المسلك ومنها معاداة المجتمع وعدم الالتزام بالأنظمة ولديهم نزعة السلوك التخريبي. وبعد هذا الاستعراض لأهم أسباب الفشل يضع جبران بعض الحلول التي يراها مناسبة في العملية التعليمية. وقال: إن تعليم سلوكيات معاكسة مهم جداً، وهذا ما يسمى في علم النفس ب «الكف بالنقيض»، بمعنى عدم استهداف السلوكيات السلبية، كالغضب وسرعة الانفعال والاندفاعية، بل نستهدف سلوكاً مضاداً كتعليم التعاون والتسامح والإيثار، وعدم التركيز على أساليب العقاب والحرمان واستخدام أسلوب الحوار والإقناع – التدريب على المهارات الاجتماعية – ومهارات الاتصال والتعبير عن المشاعر السلبية والإيجابية، وهو ما يولد عدم الاحتقان والبقاء بحالة طبيعية يمكن التحكم فيها. ويرى جبران أهمية ملاحظة السياقات التي تظهر السلوك السلبي، وبالتالي ملاحظة متى يظهر السلوك العدواني وكيف ومتى ومع من؟ وما هي المعززات التي تثبت السلوك العدواني لدى الطالب؟ فقد يكون هذا السلوك يلقى التشجيع من بعض الرفاق، وقد يحقق مكاسب بينهم مثل المكانة الاجتماعية وغير ذلك. وأضاف: ينبغي أيضاً التحدث مباشرة مع الطالب حول سلوكه محل المشكلة، وبشكل انفرادي وعدم تعمد التوبيخ أمام زملائه، وجعل الحوار مركزاً على المشكلة نفسها بعيداً عن الشخص نفسه، وهو ما يسمى ب «استهداف السلوك».