العنف الطلابي.. لم يصل الى حد الظاهرة في مجتمعنا المدرسي، ولكنه في كل الاحوال حالة قائمة، نراها تحدث هنا وهناك، ويظل المطلوب التصدي لها في كل وقت، في محاولة جادة للجم هذا السلوك السلبي، ودحره الى الحدود الدنيا، او الى اقل حالاته، ان لم يكن القضاء عليه.ويعرّف بعض التربويين العنف الطلابي، على انه استخدام القوة بهدف اللحاق الاذى الجسدي او النفسي بالآخرين، وهو على عدة وجوه، فمنه العنف عند المعلمين وممتلكاتهم، وعنف ثان ضد مؤسسات المجتمع.. وثالث ضد الطلاب انفسهم. وثمة عنف يلقاه الطالب من معلمه، ويؤدي الى الحاق الضرر بذلك الطالب سواء كان ذلك الضرر جسمانيا او نفسيا.. وفي كل الاحوال فان العنف الذي يخرج من تحت عباءة المؤسسة التربوية التعليمية يظل مثار دهشة، كونه قادما من مكان يفترض ان يكون محطة هائلة لصناعة القيم السوية والممارسات العقلانية الحكيمة.هنا.. وعبر (البلاد) كانت لنا هذه الجولة في عقول عدد من الطلاب والتبويين على اختلاف درجات مسؤولياتهم الوظيفية.. فماذا قالوا لنا؟.. المرحلة العمرية بداية تحدثت مع عدد من الطلاب في المرحلة المتوسطة، وهي المرحلة العمرية التي يكون فيها الطالب في ذروة سن المراهقة، وبالعتالي فقد تصدر منه ممارسات سلوكية معينة، ترتفع بشكل حاد ليمكن تصنيفها على انها عنف، ثم تنحسر بعض الشيء لتكون ضمن ممارسات العنف العادي، والذي يحتاج في كل الاحوال الى دراسة وبحث ومعالجات تربوية حكيمة. رأي الطلاب يقول الطلاب الذين التقيتهم: ان بعض المعلمين يلجأون الى العنف اللفظي ضدنا، وبكلمات مهينة (وواطية) نشعر من خلالها اننا مجروحون في كرامتنا، ولذلك يتولد لدينا حنق شديد ضد هذا المعلم او اولئك المعلمين، وعادة ما يكون ذلك العنف النفسي من دون مبرر قوي، وقد كنا نتمنى حقيقة، لو تم خصم درجات علينا، او تم توقيفنا ساعة او ساعتين في حجرة المرشد كعقوبة، فذلك اهون علينا من تلك الالفاظ البذيئة التي يسوقها على مسامعنا بعض المعلمين. وقالوا: واحيانا يلجأ بعض المعلمين الى الضرب اما بالعصا، او بسلك كهربائي، او بالكف، واحيانا الركل، وكل ذلك مما يؤثر في نفساينا بشكل كبير، ويولد في اعماقنا كره شديد للمعلم والمدرسة، ولا يفيدنا في زيادة التحصيل، او تدارك الخطأ، بل ربما بالعكس قد يزيدنا اصرارا على الاهمال، وربما محاولة التفكير في الانتقام. رأي المرشد الطلابي ويقول المرشد الطلابي الاستاذ (فهد الفيفي) بمدرسة ابو ذر الغفاري الابتدائية بجدة: بداية يجب التنويه على ان العنف سلوك مرفوض اياً كان مقصدره من المعلم او من الطالب، والمطلوب هو التلاقي والحوار واتباع المناه التربوية في حل كل القضايا المدرسية، ثم ان العنف الصادر من بعض المعلمين قد يكون من اسبابه ان المعلم قد يكون تعرض للعنف في مراحل بعيدة من حياته، ويريد ان يكرر ما حدث له في الاخرين في اعتقاد ورؤية خاطئة، ومن تعرض لصدمات نفسية في صغره فقد يجد عندما يكبر المتنفس في الآخرين حتى ولو كانوا تلاميذه. وقال: ثمة حلول من ضمنها الترهيب والترغيب كواحد من اساليب التربية، ومن الاساليب المؤثرة في مجال القيم، كونه يتناسب مع ما فطر الله الناس عليه من الرغبة في التكريم والتقدير، والترهيب من العقاب والدرجات والفصل والحرمان من الدراسة.ودور المرشد الطلابي مهم جداً في هذه الناحية، من حيث كونه دوراً تربويا ابويا مهما في كل مدرسة لاحتواء كل الطلاب بالاساليب التربوية المناسبة، وفهم شخصيات واتجاهات الطلاب ومعالجتها بكل الحلول المناسبة. والمهم في كل هذه المسألة هو قيام المدارس بتفعل اللائحة السلوكية الموجودة في كل مدرسة، والتي لم تفعّل بالشكل الصحيح من وجهة نظري، ولم تم تفعيلها فانها ستكون بعد توفيق الله ضمانة للحد من الكثير جداً من حالات العنف في مدارسنا. خلل تربوي وواصل الاستاذ الفيفي يقول: اضافة الى ما تقدم فان ثمة خلل في اسلوب التربية في عدد من بيوتنا من قبل الآباء والامهات، وهذا الخلل ادى في الواقع الى تنشئة عدد من (الابناء/ الطلاب) على سلوكيات غير صحيحة، ومن ذلك ان كل طالب من أولئك قد نشأ على سلوك ان يأخذ حقه بيده، واستدرك هنا واقول ان هذا السلوك ربما لا يكون من البيت بالضرورة، فقد يكون مكتسباً من قرناء السوء، الذين يزينون لغيرهم هذا السلوك المنحرف.لذلك يتوجب علينا كمجتمع بما في ذلك البيوت والمدارس الانتباه لهذا السلوك والتعاون لتقويمه، وايضاح حقيقة انه سلوك غير صحيح، حتى يفهم كل طالب ان عليه ان يعرض مظلمته على الجهة المسؤولة، لا ان يأخذ حقه بيده. ويختم الاستاذ فهد الفيفي بالقول: ان على الاعلام بكل تفريعاته دور مهم في ضبط سلوك العنف، وتنوير المجتمع الى مخاطره واثاره السلبية، ومحاربة كل ما من شأنه اثارة اساليب العنف من خلال منع افلام العنف بكل اشكالها وعدم الترويج لها، لانها احد اسباب الترويج للعنف، كما ان على الابوين التحلي بالحكمة والحرص على تماسك البيت، فان عدم استقرار البيت وتفكك الاسرة عامل مهم في بناء سلوك العنف لدى الطلاب والابناء، كما يجب عقد دورات تربوية للمعلمين ترفع من كفاءاتهم المهنية، حتى ولو كانت الدورة لشخص واحد بالمدرسة، ثم يقوم هو بعد ذلك بتدريب زملائه في المدرسة على ما كان تلقاه من دورة تربوية. رأي الارشاد ويقول الاستاذ (هاني حشمت) المرشد الطلابي بمدرسة جيل الفيصل بحي الجامعة: ان من اسباب العنف الطلابي وجود النشاط الحركي الزائد لدى الطالب، ونتيجة لذلك نجد هذا البعض من الطلاب يتنفس حركياً في الشارع او المدرسة او حتى داخل البيت، ولانه لم يجد المكان والنشاط المناسب للتنفيس فقد يبحث عن العنف، لعدم وجود فرصة صحيحة يتنفس فيها الطالب مثل الانشطة والبرامج والفرص الصحيحة لتنفيس وتفريغ نشاطه الحركي الزائد.وقال: الواقع ان النشاط الحركي للطالب قد يتطور الى اساليب اكبر، بحيث ينطوي على عمل عنيف او عدواني ضد الآخرين، ومن ذلك التكسير او الاتلاف ما لم يتم احتواء هذا السلوك من البيت أولاً، ثم من المدرسة، متى ما تم معرفة اتجاهات وشخصية الطالب الواحد، لتبدأ مراحل العلاج التربوي بشكل صحيح ومتدرج حتى يمكن اخراج هذا الطالب من حالة العدوانية الى الهدوء والحكمة.واذا لم يكن الخلل من البيت فلابد ان يكون من قرناء السوء، ولذلك يجب على الابوين وعلى المدرسة تحذير الابناء والطلاب من مرافقة أولئك، حتى لا يكتسبوا منهم سلوكيات خاطئة، فإنه قد ثبت ان للرفقة اثرها الايجابي من الاصحاء سلوكياً، واثرها السلبي من المنحرفين سلوكياً. رأي مديرة مدرسة وتقول الاستاذة (منى الحساوي) مديرة الثانوية (72) بجدة: ان العنف الطلابي - وينطبق على الطالبات ايضا - من الحالات الملموسة في مدارسنا، لكنه ولله الحمد تحت السيطرة، وذلك لوجود اباء وامهات يحرصون على متابعة ابنائهم وبناتهم، وكذلك للادوار المدرسية التي تقوم بها مدارسنا في كل وقت للحد من تنامي هذه الحالة وزيادتها، من خلال المعالجات التربوية الحكيمة التي تتم في المدارس كل حالة بحسبها وكذلك من خلال التوعيات المستمرة من المدارس للطلاب والطالبات.واضافت الاستاذة منى تقول: استطيع ان اوجز رأيي في عدة نقاط وهي ان وجود العنف الطلابي يبدأ عندما يكون هناك عدم وعي من الاسرة، ومن طريقة التعامل الابوية معهم مما ينعكس على سلوكيات الابناء.. ثم ان مشاهدة الابناء والبنات للعنف في داخل اسرهم ينعكس سلباً عليهم ويؤثر على سلوكياتهم ويجعلهم اقرب الى ممارسة العنف. وكذلك يظل من المهم الابتعاد عن مشاهدة وسائل الاعلام بمختلف انواعها، واقصد تلك التي تبث مشاهد فيها عنف وسلوك عنيف.وتضيف الاستاذة منى تقول: ان من اسباب عنف المعلمين والمعلمات ضد الطلاب والطالبات ان ثمة فريق من هؤلاء لا يكون عندنا مستوى التأهيل والحكمة والنضج المطلوب لهذه المهنة الجليلة، مما يجعل الواحد من اولئك عرضة لان يمارس العنف اللفظي او الجسدي ضد طلابه وطالباته. وختمت الاستاذة منى حديثها بالقول: اعتقد ان بعض من يعمل في التعليم قد يكون لديه بعض المتاعب النفسية، وهذه سوف تنعكس على اسلوب معاملته مع الطلاب والطالبات، ولذلك اقترح اجراء اختبارات نفسية لكل من يلتحق بالمهنة من ضمن متطلبات الوظيفة.وفي كل الاحوال فان مهنة التعليم مهنة عظيمة ويجب ان يتحلى كل من يعمل فيها بسلوكيات عالية، ليكون قدوة، كما يجب على المدارس المبادرة اولاً بأول الى دراسة كل الحالات الطلابية وعلاجها وفق المنهج التربوي. رأي مدير التعليم ويقول الاستاذ سالم هلال الزهراني مدير عام التربية والتعليم للبنات بالطائف سابقاً: العنف بشكل عام لا يمثل ظاهرة في مدارسنا، ولكن الممارسات التي تصل الى حد يؤثر في الطرف الآخر يمكن اعتبارها عنفاً، غير ان النظام المدرسي له دور اساس في كل ما يحدث في المدرسة من عنف.واضاف الاستاذ سالم: ان للوسائل الخارجية دورا اساسا فيما يحدث في المدرسة من عنف، كما ان لوسائل الاتصال الاجتماعي دور كذلك، كما ان بعض الطلاب يحضر الواحد منهم وهو محمل بافكار وصور من تلك التي تتم خارج اسوار المدرسة، مما يعتقده الطالب انها على سبيل اثبات الذات، وانه لا يتم الا بتلك الصورة، وذلك من خلال ما يكتسبه من الاعلام والصحافة والبلاستيشنن مما يمكن ان يوحي له بالعنف، وبما يمكن له ان يمارسه في المدرسة تبعاً لما اكتسبه من البيت. وقال: بعض المدارس عندها تفوق في عملية الضبط، وبعضها اقل، ولكنني اظن ان النظام المدرسية به خلل، وينبغي عند حدوث اي خلل ان يعاد النظر في بيئات المدرسةن مما تحتويه وتقوم بتدريسه، وحتى يكون ثمة نظام مدرسي متكامل.واضاف: النظام المدرسي يرتكز على البناء العلمي، ولكن الناحية السلوكية تظل اقل عطاء، وذلك لضيق الوقت، فنحن نلاحظ مدارسنا تلاحق الحصص، والجداول المضغوطة، وكان من المطلوب وجود اوقات مناسبة لتقديم جرعات سلوكية معينة يحتاج اليها المجتمع الطلابي.وقال: لو عدنا الى تأمل غاية التعليم في المملكة، فسوف نجد ان من بين تلك الغايات نصوصا تشير الى ضرورة ان يحقق التعليم فيما يحقق المواطن الصالح في نفسه، واسرته ومجتمعه، وهنا يقوم سؤال مهم.. كيف نصل الى تحقيق هذه الغاية، ونحن لم نركز على السلوكيات واصول التعامل. واضاف مدير تعليم الطائف سابقاً يقول: وان من الاشياء المهم في مدارسنا ان نركز على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وامة المسلمين وعلمائهم من المجتمع الاسلامي من داخل وخارج المملكة، ونشدد على ناحية التسامح وعلى الرفق والتواضع والبناء الخلقي. ويجب ان تركز انشطة مدارسنا ومناهجنا على بناء التواصل مع الآخر بشكل سليم، واحترام رأي الآخر، وبناء ثقافة الحوار بما يتناسب وروح العصر والمستجدات، فنحن بأمر القرآن الكريم مدعوون لمحاورة حتى المختلف عنا في الدين، فكيف لا نتحاور فيما بيننا ونصنع هذه الثقافة المهمة في حياتنا؟ وشدد الاستاذ سالم على اهمية الرفق والحوار والمودة، وان الواجب العناية بالناشئة، من جيلنا الحالي والاجيال القادمة، وضرورة ان نتعلم كيف نتجاوب معهم ونفهمهم، لان ثمة فترة عمرية معينة في حياتهم، هناك من يسميها فترة التمرد من سن 12 - 18 وتحتاج تلك الفترة العمرية منا ان نتعاطى معها بافضل اساليب التعامل والحكمة.وقال: تلك الفترة من عمر الشاب التي اشرت لها آنفاً تحتاج الى وعي خاص، ومن سماتها اثبات الذات، وهي مرحلة وتمرّ، مثل الشتاء الذي يكون فيه برد ورعد، فيجب علينا ان نتقبلها ونوجهها الى الوجهة الصحيحة.واضاف: لكن الضغط على الابن او الطالب وهو يمرّ في تلك المرحلة، وعدم فهم خصائصها، قد يولد عنه نوعاً من العنف، وعدم الاحساس بالامان.. هذا ويظل من المهم كذلك العناية الشديدة بحسن اختيار القيادات في المدارس، فهذا امر في غاية الاهمية، ودليل ذلك اننا نجد من يشيد بمدرسة بعينها، بل وبمعلم بعينه.