شدد الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فيصل بن معمر، على أن الحوار هو الطريق الوحيد للخروج من المأزق التاريخي في العلاقة بين الشرق والغرب، وخصوصاً الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي والأمريكي، ومعالجة الآثار الخطرة والسلبية الناجمة عن التأويلات الدينية والسياسية المتطرفة، التي فتحت الباب أمام التطرف والإرهاب، الذي ارتكب من قبل أفراد وجماعات باسم الدين، ودول وجيوش باسم السياسة. وقال بن معمر، خلال كلمة ألقاها في منتدى تحالف الحضارات السادس، التابع لمنظمة الأممالمتحدة، الذي عقد بمدينة بالي الأندونيسية مؤخراً: إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، التي أطلقها عام 2005م، تعد مبادرة استباقية لتفادي صدام الحضارات، وقد حققت نجاحاً بتأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات من قبل المملكة العربية السعودية والنمسا وإسبانيا، ومشاركة الفاتيكان كعضو مراقب. وأضاف أن أي تحالف لابد أن يتأسس على حوار عقلاني عميق يستند إلى معرفة موضوعية بخصائص الآخر لتحقيق التفاهم المنشود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الشرق والغرب شهدت على مدى آلاف السنين توترات وحروباً وأطواراً مختلفة للتواصل والقطيعة، وعبرت عنها علاقات القوة والضعف، وتلونت بمصائر مختلفة جسدتها المصالح والعقائد والفهم الخاطئ لرسالة الأديان، وصولاً إلى المأزق الراهن، الذي تشكل بدءاً من الثورة الإيرانية، والأحداث العالمية التي صاحبتها في أفغانستان والعراق، وغيرها من مناطق التوتر في العالم، حيث تم التسويق العالمي للعلاقة بين الدين والإرهاب، خصوصاً بعض الأحداث التي ارتكبت باسم الدين، حيث وجد الإعلام الأمريكي والغربي وقتها فرصة سانحة للربط بين الإرهاب والدين الإسلامي، وتزامن ذلك مع أفول الشيوعية وانتصار الغرب، حيث توجهت الآلة الإعلامية والسياسية الضخمة للغرب إلى التركيز على الأعمال المتطرفة والإرهابية التي يقوم بها بعض الخارجين عن دينهم، وتعميمها على الغالبية المعتدلة. وأشار بن معمر إلى أن التأويلات والتسيس الإيدولوجي باسم الإسلام من قبل جماعات متطرفة ساهمت في تغذية التيارات المتطرفة التي هددت أمن العالم من قبل التنظيمات الإرهابية، مشدداً على أن حالة الفوضى التي تسببت فيها هذه التنظيمات، وما تم من انتهاجه من حلول عسكرية غربية فشلت في مواجهتها، كان سبباً في زيادة رقعة التطرف والإرهاب، كما جعلت الغرب يختزل رؤية دينية للشرق عبر علاقته السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية، التي انطلق فيها من خلفية حضارية معلمنة تقوم على الفصل الكامل بين الدين والسياسة، فيما ظل الشرق رهيناً لصراع التأويلات الفكرية المختلفة للدين والعلمانية بحثاً عن صيغة ملائمة لإدارة تعايش إنساني بين مجتمعاته مستمداً من ثوابته الشرعية والوطنية. وأوضح بن معمر، في كلمته، أن بعض مناطق الشرق الإسلامي، ومن خلال الصراع المفتعل بين الدين والسياسة في بعض مجتمعاته، لم يستطع الخروج من هذا المأزق، ما أدى إلى مواجهات مدمرة في بعض الدول الإسلامية، حيث سارع كثير من الخبراء في السياسة والإعلام إلى الطريق الأكثر سهولة بربط الإسلام مع الإرهاب، متجاهلين التعقيدات الدينية والاجتماعية والعرقية والسياسية المرتبطة بكثير من القضايا الراهنة المؤثرة على دول الشرق، موضحاً أن الخطأ الذي يرتكبه كثير في الغرب، هو المطالبة بتغيير مشابه لما تم في الحضارة الغربية، أو بتغيير أكثر مما ينبغي وفي أقصر وقت، دون مراعاة للعلاقة بين الدين وهذه المجتمعات، وهو ما يعكس عدم فهم جانب من المنتمين للثقافة الغربية للنسيج المتناهي الدقة الذي تتكون منه مجتمعات عديدة في الشرق، التي يرى كثير من أبنائها في الموقف الغربي نوعا من الصلف ومحاولات الهيمنة، مما كان له أثره السلبي في إيجاد فرص حقيقية للحوار الهادف والتفاهم بين الجانبين. وقال إن الغرب في كثير من الأحيان كان يظهر عدم قدرة رؤية وتقبل الإسلام كثقافة شرقية، ما أدى إلى الربط بين الدين الإسلامي وبين التطرف، مستغلاً الأحداث المتطرفة للجماعات الإرهابية في الشرق والغرب، وبدا أن المصالح السياسية والاقتصادية بين الغرب والشرق كما لو أنها تتعارض مع طموحات شعوب الشرق في العدالة والكرامة والسلام. وشدد على أن بناء معرفة عقلانية بين الشرق والغرب تتطلب مواجهة مثل هذه الأخطاء من أجل تصحيح مسار هذه العلاقة على أسس سلمية، ومن هذه الأخطاء الإعلامية والسياسية مثل ما حدث عندما تم تصوير الصراع بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية مع بعض المنظمات الإرهابية، كما لو أنه حرب بين الإسلام والغرب، لافتا إلى أنه ينبغي على المؤسسات الإعلامية وعلى المنابر السياسية عدم ربط الدين -أي دين كان- بتصرفات أفراد أو منظمات خارجين على التعاليم الدينية والأخلاق والمثل العليا. وختم بن معمر كلمته، بالتأكيد على أن إيمان القيادة السعودية بالحوار باعتباره أول طريق للخروج من ذلك المأزق التاريخي الذي تشهده العلاقة بين الشرق والغرب، هو ما ألهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإطلاق مبادرته للحوار العالمي بداية من مؤتمر مكةالمكرمة، لتعزيز التواصل الإنساني بين جميع البشر، وهي المبادرة التي توجت بإنشاء مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا.