ربما يكون من الصعب جداً على شخص مثلي، أن يكتب عن «الشرق»، الصحيفة والمؤسسة والبيت، خاصة عندما تختزل المؤسسة بكل مستوياتها الإدارية والوظيفية كل قيم الوفاء والنبل وروابط المحبة مع العاملين فيها، ومع من غادروها، ومع من عادوا إليها، ومع من انضموا إليها للمرة الأولى. كما تصبح المهمة أكثر صعوبة، عندما تصير القيم الإنسانية بين المؤسسة وأبنائها أكبر من قيم القانون الجامد الذي يشبه السيف المسلَّط على رقاب العاملين. هنا في الشرق، حافظت هذه المؤسسة العملاقة على دفء أجوائها الأسرية، وأبقت على أبوابها المشرعة في وجه كل من عمل فيها. فلم يكن صعباً أن أغادر في ذات لحظة، مقعدي في الشرق، لأعود إليه بعد سبعة أشهر، وهو لا يزال يحتفظ بدفئه، وكأنني لم أغادر موقعي أبداً. لأجد عند عودتي ابتسامة الزملاء تطوقني، وتكسر كل الحواجز التي تعترض طريقي، كما قلوبهم البيضاء التي أسرتني قبل عامين لحظة ولوجي بوابة الشرق للمرة الأولى. في الشرق، لا يسعك أن تصف حقيقة العلاقة التي تجمع بينك وبين الزملاء، في كل مستوياتهم، فهي علاقة لا تجدها إلا هنا، حيث تتلاشى الفوارق، ويشعر الجميع بأنهم يقفون على طبقة «مسطحة» لا تقوعر فيها، وأن تراتبية الإدارة هي ضرب من الترف الشكلاني لغايات تنسيق أمور سير العمل، وأن الصوت المسموع في اجتماع التحرير قد يكون لزميل مراسل ميداني، أو زميل مصور صحفي، يبعدان عن مطبخ الأخبار وهيئة التحرير التي ترسم مانشيت وعناوين الصحيفة آلاف الكيلوات. في الشرق، سواءً كنت في المطبخ الرئيس لغرفة الأخبار أو كنت مراسلاً في أي قرية نائية من مناطق المملكة، فإنك تشعر بأنك ممن يصنعون مجد الصحيفة اليومي، ويشاركون في وضع التوابل والبهارات التي تمنح الوجبة اليومية للأخبار نكهتها وجودتها. وفي اليوم التالي، لا بدّ وأن تشعر بنشوة كبيرة وأنت تطالع صفحات الشرق، وتشير بسبابتك، هذه بصمتي، هنا أبدعت، هنا تفوقت، هذه لمستي، هذا السبق سبقي، هذا المانشيت من بنات أفكاري. هنا في الشرق، وفي احتفالية إطفاء شمعتها ال (1000)، لا يسعني وأنا الزميل القديم الجديد، إلا القول: هذا البيت بيتي، وهنا ألتمس الدفء بين أفراد أسرتي، وزملائي وزميلاتي في مهنة المتاعب التي لم تولد إلا من رحم المعاناة، كما لو أنها طائر «فينيق» كلما احترق ولد من جديد، نافضاً عن جناحيه آهات التعب.