تكتظُّ قاعة المناقشة بالحضور الذين جاءوا رغبةً في الفائدة والمتعة العلمية، الطالب الجالس على كرسيِّ (التحقيق) كتب بحثاً في البلاغة العربية وشُكِّلت له لجنة من كلية اللغة العربية لمناقشته في أطروحته؛ حينما بدأ الهجوم على الطالب المسكين بدا لي أن هؤلاء المناقشين لايريدون تبيين أهمية الرسالة وأوجه القصور والتميّز فيها، وليس في بالهم توجيه هذا الباحث الجديد ودعمه واكتشاف قدراته الدفينة، وخطر ببالي أيضاً أنهم لا يحفلون بجهده ووقته الذي أمضاه في كتابة الرسالة؛ كنتُ أرى -أو هكذا صوّر لي عقلي- أنّ هؤلاء المناقشين لم يجلسوا هذا المجلس إلا لهدف واحد فقط؛ هو إبراز عضلاتهم العلمية وقدراتهم البلاغية في إسقاط الباحث وتتبّع زلاتِهِ! أورد الباحث في بحثه مقولة لابن الأثير وهو عالِمٌ في البلاغة العربية؛ فما كان من أحد المناقشين إلا أن أزبد وأرعد وأخذ يهاجم ابنَ الأثير ويصفه بالحماقة! وقد كرّر هذه المفردة عدة مرات! بعد أشهر من هذه المناقشة كان لي صديق يبحث في كتاب (سر الفصاحة) لابن سنان الخفاجي، وفي زِحام بحثه وجد كتابين عن القضايا البلاغية في الكتاب، أحدهما كُتب قبل عشرين عاماً بعنوان (تحليل سر الفصاحة) والآخر كُتب حديثاً، ووجد أن الكتاب الأخير قد نسخ الكتابَ الأوّل نسخاً من الغلاف إلى الغلاف! ولم يغيّر فيه غير العنوان! المرارة في الأمر أنّ هذا السارق العظيم حصل على درجة (الأستاذية) بفضل سرقته تلك! تعلمون الآن مَن هو السارق؟! نعم؛ هو ذاك العنتريُّ الذي يتفرعن على الباحثين الجُدد ويتهجّم على العلماء السابقين ويصفهم بالحماقة والجهل! وهنا أودُّ أن أذكر أمرين: أولاً؛ أنّ التهجّم على أكابر فنٍّ من الفنون أو علم من العلوم ما هو إلا سِمة الجهلة من الناس؛ أولئك الذين رأوا في أنفسهم نقصاً فظنّوا أنهم لا يكْملون إلا بالتنقّص على الآخرين! ثانياً: أن وزارة التعليم العالي مسؤولة عن هذا العبث الذي يحصل في جامعاتنا، يجب على الوزارة أن تجدّد من دمائها وأن تغيّر أسلوبها البارد في التخطيط والإنجاز، وأن تكون على قدْر المسؤولية في استقطاب من يستحق الاستقطاب بدلاً من أن نرى -في جامعاتنا- بعض لصوص الأبحاث وفي المقابل نرى أبناء الوطن من حملة الشهادات العليا لا يجدون لهم موقعاً في جامعاتنا بكلِّ أسف!