(كان راكان بن حثلين رئيساً لقبائل المطير من شمر.. وذات مرة....). هذه عبارة وردت في مقدمة قصة تحت عنوان (فارس عربي ينازل يونانياً), جاءت ضمن قصص وقصائد ضمها كتاب تناول أحداثاً جرت في بادية الجزيرة العربية, ولست بحاجة إلى تبيان المغالطات المضحكة في العبارة, فهي حشف وسأخبركم عن سوء الكيل. استوقفني أمام جناح إحدى دور النشر العربية في معرض الرياض الدولي للكتاب (بائع)؛ عرفت فيما بعد أنه صاحب الدار, يلوح أمام (الزبائن) بالكتاب مفيدا أنه من جديد إصدارات داره, فتناولته لأقلب صفحاته سريعا ووقعت على هذه الصفحة. وضعت سبابتي على السطر وطلبت بهدوء من (البائع) قراءة العبارة متوقعاً ردة فعل إيجابية وإن كنت لم أنتظر سحب كل نسخ الكتاب من قائمة (البيع), لكن الرجل بدأ بكيل المديح لمؤلف الكتاب مؤكداً على أنه محل ثقة الدار وصاحبها, وتأكد لي أن (البائع) لا يفقه شيئا عن موضوع الكتاب ولا عما كنت أود التنبيه إليه, وأنه ينتظر فقط اخراج حافظة النقود من جيبي. بنظرة فاحصة للكتاب, وجدت جزأه الأول عبارة عن سرد لقصص وقصائد معروفة كان مسرح أحداثها الجزيرة العربية في القرنين الماضيين, ولا يخلو السرد من مغالطات كالعبارة إياها, وليست هذه هي المشكلة الأولى بالنسبة لي, وليست المشكلة غلاء سعر الكتاب. جزء كبير من مادة الكتاب (لطش حرفي مكشوف عيني عينك) من كتاب شاعرات من البادية للباحث السعودي عبدالله بن رداس, ولذر الرماد في العيون وضع المؤلف (العربي) مقدمة تحدث فيها عن الصعوبات التي واجهها أثناء جمع القصائد والقصص من الرواة البدو, ومن أبيه. بحثت عن ثبت للمراجع في الكتاب فلم أجد, أو على الأقل إشارة عابرة لابن رداس وأيضاً لم أجد! عجيب, سرقة من كتاب لمؤلف سعودي وتباع في معرض الكتاب بالرياض وبسعر مرتفع. على أي حال, هذا مؤلف استباح جهد غيره وأعرف أن هذه (السرقة) يمكن أن تبقى بيننا على أرفف المكتبات التجارية (معززة مكرمة), وإذا ما أريد الانصاف فهناك بعد قانوني يتطلب أن يتقدم المتضرر بالشكوى. في الجناح المخصص نفسه لهذه الدار لفت انتباهي كتاب موسوعي عن قبيلة عنزة, وأيضاً لمؤلف عربي, قلّبت الكتاب ولو كان بدون غلاف لقلت بلا تردد إنه كتاب أصدق الدلائل في تاريخ وأنساب بني وائل للباحث السعودي عبدالله بن عبار. ألقيت نظرة على عناوين أخرى براقة لكتب تتناول التاريخ السياسي للجزيرة العربية وانصرفت عنها بتأثير انطباع يرقى إلى القناعة, فقد ساورني الشك أنها كتب مسروقة, وحدثت نفسي أنني إذا رضخت للإغراء واشتريت من هذه الدار فكأني أشجع السارق, ولذلك اتجهت إلى جناح دار نشر خليجية كنت ولا زلت أرى أنها (محترمة), ولا أدري كيف فات على أصحابها أن تلك السلسلة من الكتب التي تعرضها للبيع وبعنوان له علاقة بالموروث الشعبي لا تعدو أن تكون سرقة (جهارا نهارا) من سلسلة كتب من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية للراوي والشاعر السعودي منديل الفهيد. قد يتفق معي القارئ أن (بعض) دور النشر العربية لا تخلو من اللصوص, وقد يتساءل, ما الذي حرضهم على جلب كتب مسروقة؟ أو لماذا يسرقون جهد المؤلف السعودي ويبيعونه في سوقه الرئيسي؟ في تقديري أننا أمام لصوص يعرفون من أين (تسرق) الكتف, فالملاحظ أن الكتب التي أشرت إليها وغيرها بينها قاسم مشترك وهو أنها مؤلفات قديمة ومطلوبة ولم يعاد طبعها كما ينبغي بسبب أن (حقوق الملكية لمؤلفيها) الذين إما توفوا أو أنهم كبار في السن لم يجدوا ناشراً سعوديا (محترفا) يسعى إليهم, وهذا الذي شجع بعض دور النشر العربية على ارتكاب السرقات بطبع الكتب ونسبها إلى مؤلفين آخرين قد تكون أسماؤهم وهمية. ألهذا الحد بلغت القوة الشرائية للقارئ السعودي أن تغري هؤلاء فيسرقوننا ويبيعوننا المسروقات وبأسعار مرتفعة؟ وهل ننتظر أن تطال الحالة الكتب والمصادر الأكاديمية فنجد دور النشر(العربية) قد سرقت جهد الباحثين والأكاديميين السعوديين؟ حتى لا تُحمل وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية أكثر من طاقتها أشير إلى أنه يستحيل مراجعة أكثر من مائتي ألف كتاب في معرض الكتاب وتمحيص مادتها, ويصعب التنبه لمثل هذه السرقات مادام أن المتضرر لم يتقدم بالشكوى, ومع ذلك أتصور أنه ينبغي التلويح بآليات تلزم دور النشر بتحمل كل التبعات إذا ثبت أنها مدانة في ارتكاب السرقات, ويجب ألا يقف المؤلفون السعوديون المسروقة أعمالهم أو ذووهم مكتوفي الأيدي, كما أن الإعلام, وبخاصة الصحافة, يعول عليها في كشف جشع هؤلاء, فلو فُضحت دار نشر واحدة لتأدب غيرها مستقبلاً, فلا يستغفلنا هؤلاء ولا يصادرون جهد المؤلف السعودي. لو كانت حقوق الملكية للكتب التي أشرت إليها تعود إلى دور نشر معروفة في السعودية ولها أذرع قوية لما تجرأت دار نشر عربية على ارتكاب حماقة السرقة فصاحب الأخيرة قطعا يدرك الأبعاد القانونية ويعرف أن (صاحب الملكية) متى كان قويا فإنه يستطيع ملاحقته قضائيا حتى في عقر داره. وإلى أن تبرز دار نشر وطنية (محترفة ومحترمة) أقترح على وزارة الثقافة والإعلام السعي إلى إعادة طبع تلك الكتب القديمة المطلوبة لبعض المؤلفين السعوديين وبيعها في معرض الكتاب بحيث تلبي حاجة القارئ من جهة, وتقطع الطريق أمام السارقين من جهة أخرى. وفي الأسبوع المقبل لنا لقاء من قلب الصحراء