تجف المحابر وتتعذر الأوراق وتستسلم الحروف وتحتار العقول وتنضب الأفكار قبل أن أعبر عما يكنه ذلك المأسور طواعية. فتحت أي تعامل لايمكن أن يرضى المأسور بأسره، سوى مأسور واحد وهو قلبي الذي لايخاف ولايخضع ولايجبر. أسر منذ طفولتي في حب من نوع آخر، يمتاز هذا الحب بأن قلبي لم يفارق محبوبه ولو لثانية واحدة طوال حياته. الحب لايعرف قوانين ولايلتزم بحدود معينة، لأنه أصدق مايشعر به الإنسان في حياته. وطني هو بطل هذه القصة الغرامية، وقلبي هو المأسور الذي أهديته لوطني عندما أهداني أحضانه الآمنة الدافئة المعشبة، التي لم أتعرض فيها لا لخوف ولا لبرد ولا لجوع. كنت طوال عمري أشعر بالأمن والأمان ورغد العيش في الحضن الذي يؤويني، وكنت محبا لذلك الحضن وأتمنى الموت دونه، لأن من شيم الرجال حفظ الجميل، ولأنني لم أفتح عيني إلا وأنا فيه، ولم أغب عنه لأحضان أخرى ولو لثانية واحدة. وهاهو اليوم يغدق علي بجزيلات من عطاياه، التي لم يكن حبي له بحاجة إليها ولكنني كنت أنا بحاجة إليها. عندما أنار لي ظلام قريتي وخفف علي حرارة جوها. هذا الظلام والجو الحار لم يثنني عن التشبث بها، لأنني ومن قناعاتي الشخصية أرى أن ثرى قريتي جزء من ثرى وطني، فهجراني لقريتي اليوم سيسهل هجراني لوطني. وطني أعطيتني ثراك الطاهر فأعطيتك قلبي. وأعطيتني ماشرح بالي فما الذي سأعطيك مقابله؟. وطني أحببتك بلامقابل فأعطيتني بلامقابل. وطني أنا أدرك أن لك قلبا وروحا نابضين بحبي. وطني عليك أن تطلب مني وعلي التنفيذ. وطني عندما أمرض أتعثر في طريقي وتتضاعف آلامي. وطني أعاهدك أن أخلص لك وأن تكون الروح دونك معروضة للموت. وطني خنقتني عبرة الحب فلم أستطع أن أكمل. هل لك أن تعفيني وترضى بماقلت؟.