نقلِّب قنوات التلفاز، ونرقب الجديد في وسائل التواصل الاجتماعي، نتابع بلهفة أخبار أمتنا الإسلامية المكلومة، فنكاد لا نرى إلا ما يعصر قلوبنا حزناً وكمداً وحسرة وغيظاً وغضباً. سوريا الإسلام والعروبة والمقاومة تئن سنين عدة، حيث يحاول أحرارها التخلص من كابوس كئيب وخائن، جثم على صدرها وأعوانه عقوداً طويلة، فما المقاومة إلا وهم أسطورة كاذبة، ولا تخفي وراءها إلا خيانة وعمالة وموالاة موروثة للمحتل والمختل، ولقد ظهرت أدلتها لكل شاكٍّ ومشكك ومخذِّل، أفيطيب العيش بعد جرحك يا شام؟ مصر، أم الدنيا، وأرض الكنانة تعاني وتتألم من إحباط وتشتيت وسرقة، أَوَ تحلو الأيام بعد جرحك يا مصر يوسف العزيز؟ عاصمة الرشيد، أرض الرافدين تصرخ من جور وخنق وعنف إقصائي تمزيقي طائفي وممنهج، يؤجج ناره استعمار غربي بغيض، تسلل – بل دخل مستأذناً- محتجاً بكراهيته الظلم ورغبته في نشر تحضره وديمقراطيته، وسرعان ما فضح زوره، وبانت سوأته الخاطئة، فلا عدل، ولا أمن، ولا مساواة، ولا ديمقراطية، بل هو تحالف مع الشيطان، وظلم، وقتل على الهوية، وتفجير، وتهجير وخوف وفساد لا ينتهي، أَوَ يعود ذلك العز والعيش الآمن الرغيد؟ أَوَ يرتاح قلب محب يعلم بمصابك يا عراق؟ أرض بلقيس، أصل العرب، اليمن السعيد تكاد سعادته تتبخر في أتون حرب أهلية طائفية طاحنة، تنفخ في كيرها وتزكي أوارها رياح خبيثة من جهات بعيدة ومشبوهة، يواليها فساد قديم ومتجذر، أَيعود سعدك؟ أم هل يسعد أحد بعد ما رُزِئت به؟ غزة هاشم تصيح وامعتصماه.. وامعتصماه، بفدائها، وشهدائها، وجراحها النازفة، وأشلاء أطفالها المتفحمة، ودمائها، ودمارها، وصمودها، وعزتها، وإبائها، وامعتصماه، صيحة انطلقت ملء أفواه الأيتام والأرامل والمشردين، صيحة لامست أسماعهم فقط، ولكنها لم تلامس نخوة المعتصم، فلا نخوة، ولا حمية، ولا ألم لمصاب أخ وقريب، فلا شاهد لذلك الجسد الواحد الذي اشتهر في ماضينا، جسد واحد يتداعى بالسهر والحمى لألم عضو منه وشكواه، حقاً، هم الرجال، وعيبٌ أن يقال لغيرهم رجل، فلا نامت أعين الجبناء والمنافقين. مذابح دامية وموجعة لإخوة لنا، أو من نزعم أُخوَّتهم في الدين، ففي أراكان، يذبح إخواننا الروهنجا مسلمو بورما، وفي إفريقيا الوسطى يذبح المسلمون ذبح الخراف، وفي سماء مالي واليمن وأفغانستان طائرات بلا طيار، تمطر الموت والخراب، هدية من العالم المتحضر والمتنور ذي القلب الرقيق للفقراء والبؤساء والحالمين بالحق والحرية، تطارد، وتقتل، وتدمر، بلا أي مقدمات، فلا اتهام، ولا دفاع، ولا شهود، ولا أدلة، ولا محاكمات عادلة، ولا استئناف لدى المحكمة العليا. مآسٍ تدمي القلب وتحرقه، وتهز كيانه، وتزلزل أركانه، إن كان في القلب إسلام وإيمان، شعوب مسلمة تئن لما أصابها، وشعوب مسلمة أخرى تشاهد ما يجري، فتألم لمصاب إخوتها وأخواتها، كيف السبيل لعونهم، من ذا ينجدهم، أين الناصر، متى تتحرك النخوة، ومتى تحيا الحمية والغيرة لله ولدينه ولإخواننا؟ نتألم، ونتلفت باحثين، مستنجدين، مستغيثين، نصرخ أين، أين، أين، أين جامعة الدول العربية؟ أين منظمة الدول الإسلامية ومؤتمرها؟ أين رابطة العالم الإسلامي؟ أين الأحلاف الإقليمية ومجالسها العامرة ووحدتها المرجوة، أين الملايين من العرب والمسلمين؟ أين سلاحهم وجيوشهم وعتادهم وأسودهم الضواري؟ أين خيولهم العربية الأصيلة؟ أين سيوفهم الصقيلة؟ أين الشعارات البراقة؟ أين شعر الفخر والشجاعة والخطب العصماء؟ أين جهود منظمة الأممالمتحدة؟ أين مجلس الأمن؟ أين حقوق الإنسان؟ أين محكمة جرائم الحرب؟ أين حلف الناتو، أين دول عدم الانحياز؟ أين جعجعتهم حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير؟ أين تلك الملايين من القلوب المرهفة التي تبكي وتحارب وتضحي لمقتل حوت أبيض وبوم منقط وفقمة بريئة ونسر أصلع ودب الكوالا المسالم؟ من المجازر الصهيونية في غزة. مكر الليل والنهار، وحب العروش، والتعلق بالدنيا، واتباع أذناب البقر، وتكميم فم الناصح الأمين، وتقريب الخائن، والصمم والعمى عن النذير العريان، كل ذا وغيره جعلنا غثاء، وأورثنا ذلاً وهواناً وعجزاً وخوراً، وأرسلت الدعوات في استعجال للأكل من القصعة! وشُوِّهت المفاهيم بأيدينا ومباركتهم، فزاد الغم، وعمق الجرح، إذ أضحى الجهاد «السلفي الحق المنضبط» إرهاباً وجرماً عالمياً بغيضاً، وأصبحت نصرة «راياته الصافية» بالنفس والنفيس دعماً إجرامياً للإرهاب، وتشوه مفهوم «وأَعِدُّوا» إلى: والُوا عدوَّكم واشتروا سلاحكم منه، فاتُّهم الغيور، وراج سوق إلصاق التهم، حتى بورك الخائن، وطرد الأمين، وطورد وحورب، وقُرِّب العميل، ولمع وصُدِّر، ونُصِبت المشانق، ولُفِّقت التهم، لكل من تسوِّل له نفسه الهروب من وهم العجز، أو عمل أي شيء للتعالي على سراب الذل والوهن، والويل كل الويل لمن يبشِّر بالحديث عن ثغرات الممكن في جدار المستحيل المتهاوي. جرح كبير، وحزن كبير، وألم خانق، ودمع ودموع، وغضب يفجر الشرايين، وعجز مفضوح، وذل بلا خجل، وإنكار متفيقه، وتلفيق إعلامي، وفتوى مزورة لتقرير العجز وإثبات الإعسار. هل يعقل أن تواصل القافلة مسيرها كأن شيئاً لم يكن؟ هل ننسى الداء والعدوان والدماء والأشلاء وألعاب العيد التي لم يهنأ بها أطفالها؟ إن الحال لا تُرضي، الحال لا تسر، ولا حل إلا رجوعنا جميعاً لديننا ومصحفنا وحديثنا وتاريخنا وسيف قوتنا المغيبة والمهملة، ولن يغير الله ما بنا، حتى نغير ما بأنفسنا، ونأنف مما لا يليق بنا من العجز والفرقة والذل والهوان، يا هذا، ياهذا، نعم، نعم أنت، أتسمعني؟ لا تلتفت إلى غيرك، وابدأ بنفسك فانهها عن غيها، وأَعِدها لجادة الحق والفضيلة في القول والاعتقاد والعمل.