فكرت أكثر من مرة ثم أقدمت لأصل إلى بوابة مسؤول الدائرة التي يتزاحم حولها المراجعون، وأعرف السبب الكامن وراء ذلك الازدحام، فوجدت أن “البلوى” عامة في كل الإدارات التي ما زالت تصر في حال المراجعة على الملف الأخضر، على الرغم من أن كل موظف أمامه شاشة كمبيوتر وفأرة، ويستطيع أن يكمل إجراءات المراجع بالطرق الحديثة التي لا تحتاج إلى ملف علاقي باللون الأخضر. وفي يوم واحد مررت على أكثر من دائرة حكومية في مدينة جدة، قلت عسى أن أكحل عيني برؤية موظف يقوم بإجراءات إنهاء معاملات المراجعين بالطريقة الحديثة، وإذا بي أصدم بأن كل موظف أمامه جهاز كمبيوتر هو عبارة عن جهاز لتسهيل أعماله الخاصة، بعيدا عن معاملات المراجعين، وعندما استغربت ذلك سألت ب (لقافة) أحد مراسلي أحد المكاتب الذي يدور عليهم بين الحين والآخر بكاسات الشاي والقهوة فقال: إن جميع أجهزة الكمبيوتر لأغراض أخرى، ولم أكذب خبراً عندما أكد لي ذلك رئيس أحد المكاتب الذي وقع لي معاملتي بطريقة يدوية وأتممت إجراءاتها بنفس الطريقة، حيث بدأت مشواري اليومي بشراء ملف علاقي أخضر اللون، وصورت نسخاً عديدة من بطاقة الأحوال، وصورا من الأوراق التي تتعلق بمعاملتي، وصدقت لأول مرة أن الشاشات القابعة أمام كل موظف ما هي إلا من ضمن البرستيج! يجري الموظف من خلالها أعماله وهواياته الخاصة! إدارة المرور بجدة الوحيدة التي كانت مغايرة، فعندما تقدمت لتجديد رخصتي المنتهية لم يكلفني الأمر سوى تسليمهم الرخصة القديمة وأعطوني رخصة جديدة في نفس اللحظة، وقلت لهم شكرا، لقد أكدتم من خلال هذا الإجراء السريع أنكم فعلا تطبقون في عملكم الإجراءات الحديثة قولاً وعملاً.