إذا تأملنا الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما رافقها من إبادة جماعية للمدنيين وتدمير المساكن والمساجد والمدارس والمشافي، في ضوء ردود الفعل الباردة من الحكومات العربية والغربية والمنظمات الحقوقية، نرى أن دولة الكيان المحتل تستمتع بتدمير البنية التحتية للقطاع وبقتل الأطفال والنساء والمسنين دون خوف من جرِّها إلى المحاكم الدولية؛ لأن السلطة الفلسطينية ملتزمة باتفاقيات أوسلو التي تمنعها من توقيع اتفاقية روما وهي مطلب فلسطيني أساسي. السلطة إلى يومنا هذا تتهرب من هذه المسؤولية الأخلاقية وتَعِد شعبها ولا تنفِّذ. قيادات السلطة الفلسطينية قبلت مع الأسف سلام الشجعان كما وُصِف آنذاك، وهذه القيادات التي كانت في المنفى، قبلت أن تعود وتستقر وتعلن قيام السلطة الفلسطينية أو مشروع حلم الدولة، ليس على كامل تراب فلسطين، وليس على الأراضي التي تعرف بأراضي 1967، ولكن على أراضٍ مغلقة تحت رحمة المحتل. المستفيد الوحيد من اتفاقية أوسلو، هو دولة الكيان المحتل لأنها ببساطة اخترقت الإجماع العربي، وصارت بعض الأصوات العربية تقول: ما شأننا نحن بإسرائيل؟ ولمَ نختار العداء معها، في حين أن أصحاب الأرض الحقيقيين تنازلوا عنها طوعاً، واعترفوا بدولة الكيان المحتل، وجلسوا معها على طاولة المفاوضات لعقود طويلة، وأصبح التنسيق الأمني معها حدثاً عادياً ؟. بل نسمع نخباً عربية على تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي تقول: لمَ علينا أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم؟ كما أن اتفاقية أوسلو أشرعت أبواب التطبيع السرية والمعلنة، وبدأت تتسلل ثقافة جديدة في الشارع العربي العام، ولدى النخب السياسية والثقافية والفنية والإعلامية تؤيِّد الكيان المحتل وسياسته التدميرية بحجة القضاء على إرهاب الإسلام السياسي الحمساوي. هناك من العرب من طبَّل وزمَّر لقتل كوادر المقاومة وهناك من طالب بقتل الحمساويين وتخليص غزة منهم، وهناك من طالب بعودة سلطة عباس وأمنه للقطاع. وغابت خطابات «فلسطين قضيتنا الأولى..» عن الخطابات الرسمية، والمناسبات السياسية، حتى أن المتتبع بدقة لما يجري ربما فوجئ بصمت الحكام في الأيام الأولى على الحرب المفروضة على غزة. وغابت الأناشيد والأغاني الفلسطينية الثورية عن المحطات الفضائية والإذاعات العربية، إلا فيما ندر، كما غدا وضع الكوفية الفلسطينية عنواناً للإرهاب والتشدد والتطرف والعداء للسامية. ما لا يمكن القفز عليه، أنه من أوسلو إلى اليوم تربَّت نخب وأجيال فلسطينية في الداخل وفي الشتات لا علاقة لها بفلسطين، ولا بتلك الشعارات التي تربَّى عليها جيل ما بعد النكبة والنكسة، ونجدهم صهاينة أكثر من اليهود وأنهم مع اجتثاث المقاومة المسلحة ومع الاعتراف بدولة اليهود على معظم أراضي فلسطين التاريخية، ومع تهويد القدس مقابل دويلة متقطعة الأوصال تحت حماية حذاء الجندي الصهيوني. وانحسر التضامن مع القضية في دوائر ضيقة بين الفلسطينيين والعرب وأنصارهم الرافضين لأوسلو وسياسة التطبيع، وهي تتوزع بين المتدينين العرب والمسلمين وبين اليسار العالمي. وفي هذا السياق لا نستغرب أن تخرج مسيرات حاشدة في مدن أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأستراليا وتركيا وماليزيا، يمشي فيها أوروبيون وأمريكان وأستراليون وأتراك وغيرهم من أجل أطفال غزة، في حين تبكي نخبة إعلامية عربية على مواطنين إسرائيليين يحرمون من نور الشمس لساعات وهم يحتمون في الملاجئ من صواريخ عبثية تطلق من القطاع. نحن اليوم أمام إعلام عربي متصهين لا يخجل من أن يطلب من جيش الاحتلال الصهيوني دك غزة نكاية في حماس، لا يجب أن نستغرب ظهور إعلاميين عرب على شاشات فضائيات متضامنة مع دولة الكيان المحتل. ليس مطلوباً من العرب الاستنكار والخروج بمظاهرات فهي لغيرهم، ولكن عليهم إجبار الكيان المحتل على فك الحصار وفتح المعابر وإعادة فتح المطار والميناء ودعم غزة بالمال والغذاء والدواء وإعادة إعمارها، وعليهم لجم العدوان بالقوة إذا لزم الأمر.