تعودنا أن نرى تلك الأبخرة من خشب العود في المحافل وعند استقبال وتوديع الضيوف في المنازل. كما أنها جزء من تراثنا وهويتنا، فلا نكاد نرى مناسبة، إلا أن نشاهد تلك الأبخرة المتصاعدة من خشب العود في المداخل. وأن نراها تارة أخرى إيذاناً عن جاهزية الوليمة المعدة أو لتوقيت انصراف الضيوف بطريقة مؤدبة وكريمة تمرر فيها للضيوف هذه الدخون في أوعية «مباخر» مخصصة لهذا الغرض. وقد قادتني الصدف أن أتجول في منطقة الخاسقية وباب شريف في مدينة جدة التي تعد أكبر سوق للزيوت العطرية كالعود والعنبر والمسك والروائح العطرية الصناعية، وكذلك الأخشاب العطرية كما العود والصندل في المنطقة. وقد تناقشت في تجوالي مع أحد الباعة فأخبرني عن استغرابه السماح باستيراد خشب العود الصناعي الذي يجلب من إندونيسيا ويباع الكيلو جرام منه بأقل من ألف ريال ويعد رخيصاً مقارنة بالعود الأصلي الذي يتراوح سعر الكيلو جرام منه بين 4 آلاف ريال و50 ألف ريال وأكثر حسب جودته. والعود الصناعي كما ذكر لي أنه سم قاتل لاحتوائه على مواد كيماوية تستنشق فتدخل الرئتين وتسبب أمراضاً كثيرة. وبحثت عن طريق الشبكة العنكبوتية فلم أجد ذكراً للموضوع أو أحداً تطرق له، فاعتقدت حينها أنه ربما كانت المعلومة خاطئة. وعندما علمت عن سفر أحد الأصدقاء إلى دولة إندونيسيا طلبت منه البحث لمعرفة طريقة عمل خشب العود الصناعي. وعندما عاد ذكر لي أنه زار أحد المصانع المحلية وكانوا يضعون أخشاب شجر العود التي لا تحمل رائحة في براميل ويغمرونها في مادة الميثانول لفترة إسبوع إلى 10 أيام لحين التفاعل بين الخشب وهذه المادة الكيماوية فتنتج مادة لزجة سوداء اللون، ومن ثم يقومون بطبخ الخشب مع المادة المستخرجة وهي لزجة، على نار هادئة حتى تتبخر وتتداخل مع الخشب. وبعد ذلك يقومون بتجفيف الخشب وتنظيفه بأدوات معدنية كي يكون مطابقاً إلى الخشب الأصلي الداكن اللون وتعرجاته أو في بعضها ليحمل سمات معينة كزوايا. ويباع خشب العود الصناعي من 150 ريالاً إلى 500 ريال للكيلو جرام في إندونسيا تقريباً حسب قوة الرائحة. وكما هو معروف أن مادة الميثانول بذاتها غير سامة، إلا أن التأثير السام للميثانول يرجع لتحوله في جسم الإنسان إلى مادة الفورمالدهايد الشديدة السمية وحمض الفورميك. وعلى ذلك فأعراض التسمم بالميثانول تبدأ في الظهور بعد فترة تتراوح بين 12 و 14 ساعة من تعاطيه على شكل صداع ودوار وغثيان وقيء وآلام شديدة بالبطن والظهر تعزى إلى التهاب البنكرياس، وتظهر أعراض تثبيط الجهاز العصبي المركزي والفشل التنفسي. ومن العلامات الثابتة للتسمم بالميثانول الاضطراب البصري. ومما لا شك فيه أن استخدام مثل هذه الأخشاب من العود الصناعي التي تستنشق فيدخل غاز الميثيانول إلى الرئتين يسبب كوارث صحية لا حصر لها وتفاعلات داخل أبداننا دون أن نشعر وأمراضاً شتى مما يستلزم لفت النظر ومنع استيرادها وبيعها من قبل وزارة التجارة وتعميم مخاطرها حفظاً للصحة العامة.