هناك أشياء كثيرة أغلى من الذهب ؛ كالشرف؛ والكرامة؛ وحب الوطن، وخشب العود ! والأخير سلعة هوس بها مواطنو الخليج لدرجة رفعت أسعار بعضها إلى مستويات تفوق الذهب. وحاليا تتصدر السعودية قائمة الدول العالمية فى استيراد (وحرق) خشب العود باستهلاك سنوي يبلغ 1000 طن تزيد قيمتها عن 25 مليون ريال.. وهذا المبلغ لا يتضمن منتجات العود الثانوية (كالدهن والمعمول ومعطرات الشعر) وأننا نحتل أيضا المركز الاول في استهلاك العطور الغربية!! .. أما شجرة العود نفسها فتدعى علميا (إقوالوريا) لا تنمو إلا في المناطق الاستوائية الممطرة وضمن غابات معينة في فيتنام واندونيسيا والهند وكمبوديا وتايلندا .. والمفارقة الغريبة أن شجرة الإقوالوريا تفرز هذه المادة العطرية حين تمرض وتصاب بفطر معيّن داخل الجذع (وهو ما يذكرنا بإفراز مادة اللبان الشجرية في اليمن وحضرموت) . ولهذا السبب يجب قطع الشجرة أولا للتأكد من وجود الدهن داخلها كون الإصابة لا تبدو عليها من الخارج (وهو ما تسبب بانقراض المزيد منها كون 10% من الأشجار فقط يتضمن هذه المادة) .. وفي الماضي كانت الهند المصدر الأساسي لدول الخليج قبل أن تتراجع بسبب انقراض الشجرة في أراضيها، ودخول ماليزيا واندونيسيا على الخط .. وكانت الحكومة الهندية قد أوقفت قطع وتصدير خشب العود منذ التسعينات خشية الانقراض .. وبعد أن اتخذت بورما إجراء مماثلاً قفزت تايلند إلى المركز الاول عالميا وتحتل مع ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام قائمة الدول المصدرة لدول الخليج، فيما تعتبر سنغافورة المركز الرئيسي لتجارة العود في العالم! والعجيب أن الجيلوجيين اكتشفوا آثارا متحجرة لأشجار العود في جزيرة العرب ما يثبت ماضيها الممطر وعلاقة سكانها القديمة بهذه الشجرة .. ومن الأشكال الرائجة لخشب العود مايسمى "دهن العود" الذى يتم إنتاجه عن طريق تقطيع الخشب إلى أجزاء صغيرة وغمرها في الماء لفترة طويلة ثم طبخها حتى يستخلص الدهن منها . وبعد ذلك تأتي عملية التخزين كأسلوب يمكن التحكم به لرفع سعر الدهن المنتج ، فكلما زادت فترة التخزين (والتعتيق) زاد سعره في السوق .. وقد تتراوح فترة التخزين بين "لاشيء" الى عشرة سنوات (تعوض قيمتها حين تباع كمنتج نادر)، في حين يباع مايتبقى من نشارة الخشب وحثالة الدهن تحت اسم معمول العود! وفي حين يغلب استعمال العود في السعودية ودول الخليج كطيب يغلب استعماله في الدول المنتجة لأغراض طبية بحتة (حيث يستعمله الأطباء الهنود حتى اليوم لتعقيم غرف العمليات).. أما الطريف فعلا والذي سبب لي إشكالا شخصيا في إندونيسيا وماليزيا فهو أن العود الاندونيسي يطلق عليه حتى بين التجار اسم "العود الكمبودي" في حين يطلق على العود الكمبودي اسم "العود الجاوي او الإندونيسي" ... وأذكر أنني قرأت قبل فترة أن العود المغشوش في السعودية يعادل ثلث الكميات المباعة فيها.. وعمليات الغش قد تحصل في السوق المحلي أو من المصدرين في الدول المنتجة .. ومن أساليب الغش خلط الانواع الرديئة مع الاصناف الجيدة ثم بيعها بسعر الاخيرة . كما قد يخلط الخشب مع العود ويدهن بدهن عطري يميل للسواد .. وقد يوضع الأصلي والمغشوش في الماء بغرض تشبيعه وزيادة وزنه وحجمه والإيحاء بحداثته .. أما أبسط أشكال الغش فهي أن يشممك التاجر جزاه الله خيرا عودا أو دهنا ممتازاً ثم يملأ زجاجتك بالصنف الأقل سعرا وجودة !!! .. ومن يعرف منكم تاجرا أمينا يدلني عليه !