سوق القيصرية بالأحساء.. ليس مجرد اسم لسوق شعبي قديم، بل يعتبره بعضهم رائحة وذكرى وعبقاً ينبغي الحفاظ عليه.. هذا السوق الذي تعرض لحريق هائل قبل أكثر من 10 سنوات، يستعيد الآن نبضه وحيويته، بموازاة مع شهر رمضان الفضيل وقدوم العيد.. لكن هذا السوق العتيد واجه تحديات كبيرة أبرزها عزوف الناس عنه عندما أعيد بناؤه قبل عدة سنوات، وهاهو الآن يعود للنبض من جديد.. «الشرق» حضرت في السوق ورصدت الإقبال عليه من قبل بعض كبار السن وزيادة الإقبال عليه من قبل العوائل ومتسوقين من دول الخليج. فقد استعاد سوق القيصرية بالأحساء خلال هذه الأيام جزءاً من وهجه السابق الذي فقده جراء الحريق الذي تعرض له في العام 1422ه، وتأخر عملية إعادة إعمار السوق من قبل أمانة الأحساء، التي استغرقت أكثر من 8 سنوات، في الوقت الذي ظهرت في المنطقة عدد من المجمعات الحديثة التي استقطبت شريحة كبيرة من المتسوقين. وعلى الرغم من قلة المحال التي تم افتتاحها في السوق التي تشكل 35% من إجمالي عدد المحلات البالغة 420 محلاً، إلا أنها استقطبت خلال هذا العام عدداً جيداً من المتسوقين من السعوديين والخليجيين سواء في الفترة التي سبقت شهر رمضان أو خلال هذه الأيام والتي تسبق عيد الفطر المبارك. ويعتبر سوق القيصرية الذي تم بناؤه منذ أكثر من 200 عام من الحجر الجيري والطين السوق الرئيس في الأحساء على مدى عقود من الزمن، حيث لعب دوراً مهماً في تطوير المنطقة اقتصادياً، فهو لا يقتصر على كونه سوقاً شعبياً فقط، بل يمثل بالنسبة لأهالي الأحساء وزوارها إرثاً حضارياً حيث يعتبرونه مركزاً تجارياً مهماً، يتم من خلاله عقد عديد من الصفقات بين تجار المنطقة والوافدين إليها. ويضم السوق والذي أقيم على أرض مساحتها 6600 متر مربع 420 محلاً تجارياً تصطف بطريقة منتظمة وترتبط فيما بينها بممرات ضيقة يسهل الانتقال فيما بينها.. وترجع ملكية تلك المحلات إلى أمانة المنطقة بنسبة 40,7% وعدد من المواطنين بنسبة 59,3% ، وتتنوع أنشطة السوق بين المشالح، العطور، المواد الغذائية، الملبوسات الرجالية والنسائية، العطارة والأعشاب، الأحذية، المفروشات، الساعات، محلات الصرافة، محلات الحلاقة الشعبية والمنتجات المحلية. ويحرص عديد من السكان على شراء احتياجاتهم من السوق خصوصاً في الأيام الأخيرة من شهر شعبان حيث تشهد منطقة وسط الهفوف والتي يقع فيها السوق توافد عدد كبير من المتسوقين من مدن الأحساء وقراها بجانب عدد غير قليل من المتسوقين من دول الخليج المجاورة خاصة من قطر، لشراء احتياجاتهم من المواد الغذائية لشهر رمضان، كذلك في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم حيث يحرص عديد من المتسوقين على شراء مايلزمهم للعيد من ملبوسات وأحذية وعطور ومشالح وغيرها من المول القديم، كما يحلو لبعضهم أن يطلق عليه خصوصاً وأن معظم سكان المنطقة وزوارها ارتبط بالسوق ارتباطاً وثيقاً، حيث يرى فيه عبق الماضي فيما يفضل بعضهم الحصول على احتياجاته من السوق نظراً لاعتدال أسعار السلع والبضائع المعروضة فيها مقارنة بالمجمعات الحديثة. وقد تعرض السوق في الرابع من شهر شعبان عام 1422 لحريق تسبب في انهيار 80% من محلاته، حيث تسبب ذلك في خسائر كبيرة للتجار قدرت بأكثر من 500 مليون ريال. ونظراً للأضرار الكبيرة التي تعرض لها أصحاب المحلات في السوق فقد صدرت تعليمات محافظ الأحساء الأمير بدر بن جلوي آل سعود بتشكيل لجنة تضم في عضويتها عدداً من المختصين من جامعة الملك فيصل، الأمانة، فرع الجمعية السعودية للعلوم والعمران للنظر في وضع تصور حول خيارات التصاميم المناسبة لإعادة أعمار السوق. وقد خلصت اللجنة إلى أن أفضل الخيارات إعادة بناء السوق بنفس القياسات والتصاميم والخصائص السابقة مع استخدام نفس المواد السابقة في الإنشاء للحفاظ على طابعه التقليدي، حيث تم مؤخراً بناء السوق بتكلفة تجاوزت 13 مليون ريال وفق تصميمه السابق وبنفس المواد التي تم بناؤه بها وهي الطين والحجر وخشب (الدنجل) مع مراعاة أصول السلامة الخاصة بالكهرباء والمياه وتوفير العوازل الخاصة بالحرارة والمياه ومراعاة الملكيات الخاصة والعامة. ومنذ افتتاح السوق في العام 1430ه شهد عزوفاً من قبل المتسوقين خلال السنوات الماضية، إلا أن العام الحالي شهد استعادة السوق لجزء من مكانته السابقة حيث استقطب عدداً من المتسوقين خصوصاً من كبار السن الذين يجذبهم الحنين إلى السوق، كما أن الأسعار المناسبة التي يقدمها أصحاب المحلات للمتسوقين عامل جذب آخر لاستقطاب الزبائن. من جهتهم أكد عدد من المتسوقين بأن السوق له مكانة خاصة في نفوسهم، كما أنه يتميز عن غيره بالبساطة ومناسبة الأسعار وتوفر جميع احتياجات المتسوقين، فيما طرح بعضهم عدداً من المقترحات لتفعيل السوق بشكل أفضل واستقطاب أكبر شريحة من المتسوقين منها توفير مواقف للسيارات، إنشاء مقاه شعبية وأماكن لبيع منتجات بعض الحرفيين، تنفيذ بعض الفعاليات السياحية والشعبية التي تتميز بها المنطقة، توفير بعض المرافق والخدمات كدورات المياه وتكييف الممرات.