هي ليست حكاية من حكايات سمرٍ رمضانية، تُنسج تحت فانوس ملوَّن، مع رائحة قهوة على موقد الأصدقاء.. قرطاجة هنيبعل، وروما شيبيو. من هناك بدأت الحكاية التي فرزت العالم إلى شرقٍ وغرب. قرطاجة المولودة عام 813 ق.م على خليج تونس، ازدهرت كمرفأ تجاري، أزهرت بهِ فينيقيا كلها؛ مما دفع بها إلى بسط سيطرتها على المنطقة، والتحكم في مفاصل القارات الثلاث القديمة. قاومت بلاد الإغريق مدَّ الفينيق بدايةً، ثم دخلت في سلسلة حروب سُمِّيت بالحروب الفينيقية، إلى أن سقطت قرطاجة أخيراً، بل دُمِّرت تدميراً شنيعاً حيث قام الرومان المنتصرون بفلح أرضها – قرطاجة- ورشها بالملح؛ لئلا تقوم لها قائمة. وهذا ما حدث حيث بقيت خراباً لقرنين من الزمن. سقطت قرطاجة.. فسقط الشرق.. يُشير المؤرخون إلى أنه منذ ذلك الحين أخذ الغرب المُنتصر في تقسيم العالم إلى غربٍ متفوق، وشرقٍ بربريٍّ مهزوم. حكم الرومان الغرب المتفوق «المقاطعات الرومانية» من خلال قانون موحَّد، بينما تُرك الشرق «البربري» لأحكامه العُرفية، تحت سيطرة الجيش الروماني، في ما عُرف ب « مُقاطعات الإمبراطورية الرومانيَّة». تبلورت إذن هذه الثنائيَّة القانونية بشكلٍ تدريجي، على أساس الفرز المُستمر بين الغربي المُتحضر، والشرقي المتخلف، وكمَّل التاريخ مسيرته مُحمَّلاً بقوافل المحاربين والمُستعمرين والتُجَّار؛ تبدلت الأسماء كثيراً.. فالعدو لا يُستحب في الفكر الغربي أن يبقى دائماً عدواً.. وحدها المصلحة تُحدد هويته في كل زمن، فهو عدو في حين، وصديق في حين، وزبون في هذا الزمن خاصة، وصفات كثيرة قابلة للدهشة في كثير من الأحيان. ما يُشير إليه التاريخ أن للغرب دائماً خارطة طريق، استراتيجية، وتكتيكاً، ومُعجماً براغماتياً يُجيد من خلاله التحايل، من خلال حركة مُتجددة، مُستنفرة دائماً بالوعي والمعرفة، بينما يبقى الهدف الأبدي له هو الهيمنة من خلال التفوق، وحفظ قانون يُشرعن أحقيته وحده بالانتصار؛ وإيهام الآخر بأنه مُتخلف بطبعه، مهزوم في تاريخه الجينيّ، قبل تاريخه الزمني…! غزة 2014.. الهزيمة ليست قدراً ولا لعنة إلهية..، غزة 2014 مُنبه وعي على توقيتٍ مُختلف..!