حين يكون الظلم على مستوى الأمه والشعوب يتباين الوجع والإحساس فيه وردود التعبير عنه، ويبقى من العدل والحق عدم خنق العبرات وكتم أصوات الظلم عن أسماع الظالمين، فقد يشحذ ذلك الشعور الوطني وينبه التكاتف القومى والديني كما كان على مر السنين.... ولكن إلى أي حد وكيف؟ وقف الإمام حسن البصري يوماً يعظ الناس ومعه مصحف يحمله، فأخشع القلوب وأسال الدمع وأرهب النفوس ولما فرغ من عظته تفقد مصحفه أمام الجميع فإذا به قد سرق، ثم نظر إلى الناس فرآهم جميعا مشغولين بالبكاء والنواح فصاح بهم قائلا، أيها الناس كلكم يبكي فمن سرق المصحف، فأخذ الكل ينظر ويشير لبعضهم بعين الريبة والاتهام ونحن اليوم كل منا يلوم غيره ويحمله ما آلت إليه حال الأمة، فألبسنا الرجال المستحيل مع اليأس ثم أضعناهم، فأصبحنا كالفيلسوف اليوناني (ديوجنس) الذي كان يسير بالظهيرة وبيده مصباح مضيء وعندما سئل عن ذلك أجاب بقوله المأثور ..أفتش عن رجل ..؟ فسجَل له التاريخ أن زمانه لم يكن يحوي رجالاً، وأخذهم حب اتهام بعضهم لتأكيد هذا المعنى وصدقوه دون أن يفكروا يوما قد يكون الرجل المفقود هو بداخل ذلك الفيلسوف نفسه ! فلم لا نغير اتجاه أصابع الاتهام إلى الغير ونديرها نحو ذواتنا ونضغط بها على الجرح وإن لم يسمع صراخنا أعداؤنا فيكفي أننا نُسمع أبناءنا ليشهدوا يوما بأننا كنا نخطب ونرفض حين كنا ننزف وهذا أضعف إيماننا بالوقت الراهن، ونحذو بذلك حذو الخطيب (كاتون) في القرن الثاني قبل المسيح والذى اشتهر ببلاغته وحكمته وعمق نظره فظل كاتون على مدار سنين طويلة يختم خطبه دون يأس أو ملل بقوله المشهور (لتسقط قرطاجة منافسة روما والرومان) وكان بذلك يحرض شعبه على التذكر دائما أن هناك عدوا متربصا بهم حتى إذا ما سنحت الفرصة انقضت أجيالهم على قرطاجة عاصمة فينيقيا ودمروها ..وكان ذلك ولو بعد حين . ختاما.. أما أنتم فليغنِ كل منكم على ليلاه واخطبوا وأشعروا واستنكروا العدوان الصهيوني على الأبرياء، لكن حذاري أن تكثروا النحيب فيطفىء الدمع شعور الغيظ مع مر السنين