في مشهد مُتجدد الحدث ومُستمر في الترقب والمُتابعة المتوالية لأحداث شرورة، وعبر وسائل الإعلام بتنوعاتها، ومن خلال المُتابعة اللحظية عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي التي فاقت في عدد مُتابعيها تلك القنوات التقليدية السلحفائية الرتم، فعصر السرعة حطم كثيراً من روتينات المُتابعة لأحداث العالم ليتجاوزها لقنوات قد لا تكون رسمية في قوالبها لكنها تُشفي دواخل وهيجان أعماق العامة الباحثين عن حقائق الأرض، وتلك المواقع الإلكترونية الحيَّة والمُباشرة تُلبي تلك الحاجة وإن كانت كوماً وخليطاً من الحابل والنابل الذي يحتاج من إعمال العقل المضاعف للتحقق والفرز في كثير من الأحيان إلا أنها غدت واقعاً مفروضاً، قد بدا لنا جميعاً ودون أي مُبالغة أو تزييف أن هناك من يحمل في أعماق جمجمته فكراً داعشياً بامتياز، واتخذ موضعهُ في جانبٍ من حلبة الصراع ليهتف بحماسة المُشجع والمُترقب للنصر وتجاوز مرحلة الهجوم ليتغلغل ذلك الدعشي لخط الولوج والتمكن من غرس راية النصر على تلال الوطن هاتفاً «تم الفتح المبين». فالفكر المُتلبس بالنهج الداعشي يكمن في أرجاء بلادنا ومُستشرٍ بصورة طاغية مهما تجاهلنا ذلك أو أوهمنا أنفسنا بالعكس، فالخلايا الخاملة مُتناثرة ومُنتشرة بيننا، وما دامت كذلك فهي قنابل موقوتة مصيرها الانفجار وإدماء وتمزيق محيطها وإحلال جبهات مُتفرقة ستأخذ من البذل والطاقة حال السعي في إخمادها. أيها القارئ الواعي.. في عصف ذهني لأحداث ووقائع- داعشية الاتجاه – في الوطن ، ماذا تتذكر؟ كثيرة هي الأحداث التي هي في أصلها تتغذى على التعصب الفكري وعدم قبول الآخر لمجرد الاختلاف في الرأي، في المذهب، في التوجه، في القناعات، وحتى في السلوك، وضمت تلك الأحداث ساحات العلم من مدارس وجامعات، إذ كان أبطالها الدواعش الهوى، هم أساتذة من الجنسين ومديرون وطلاب وغيرهم، وكان التحريض بداية والاعتداء اللفظي والجسدي أحيانا نهاية. إذن نحنُ في تحدٍّكبير يستلزم الوعي والاعتراف بالواقع أولاً والبدء في نسف تلك المعضلة واحتواء كل خطوة تتجاوز التنظير لترتكز على قانون فعلي قائم ولا يتقافز فوق رؤوسٍ ويترك غيرها، ملفات لو تم تسويتها بعقلانية وعدل ومنطقية وحكمة سيتجاوز الوطن كل المحن وسيتوحد الصف للارتقاء بفكر هذا الجيل والأجيال اللاحقة لمراحل تنعدم فيها التوجهات الداعشية الملامح، ففي قراءة فاحصة لتاريخ المجتمعات بحضارتها الناجحة تقدماً في جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تجاوزت مراحل البناء لمستوى تتابع البناء، نجد أنها اتخذت من حرية الرأي مرتكزاً لاستقرار شعوبها وتطويق طاقاتهم وإمكاناتهم في حدود مسارات البناء والابتكار للنهضة بالدولة، إذ ينعدم بعد أن يضيق ذلك النفق المؤدي للتصادم والتحارب بين الشعب بعضهُ بعضا ودولته من جهة أخرى، وهذا تحت مظلة قانون يكفل للدولة والشعب الحقوق دون التقافز على الرؤوس، ومن جانب آخر نجد تفعيل القانون وتطبيقهُ الفعلي دون اجتهادات واختيارات للفئة المُطبق عليها ذلك القانون ،هذا يكفل للفرد حقه وشعوره بالعدالة واضمحلال الشعور بالفئوية، ونلحظ ذلك في دول الغرب في تطبيقها لقوانينها بصورة ثابتة ودون انتقائية، وهذا ما يدفع ببعضهم للهجرة والاستقرار في تلك الدول تاركين تلك البقعة من الوطن العربي لما يلتمسه ويحصل عليه من امتيازات لا تمنحه إياه دولته. أمَّا تلك «الدولة الإسلامية» المزعومة التي أعلنت أنَّ المدعو البغدادي خليفة للمسلمين، قد احتوت أفراداً يدَّعون أنهم باعوا الدنيا من أجل آخرة اصطفت لهم فيها حورهم العين، عُراة في شبق مسبوق للقاء مزعوم، كناية عن دونية وشهوانية عقولهم، إذ كما يتغذون على لحوم البشر يقذفون شهوتهم في لذائذ جهادية مُبتكرة، هذا جانب شدَّ شريحة كبيرة ممن لا يُعملون عقولهم إلا في مساحات اللذة التي سينالونها بمنهجيتهم سواء في ساحاتهم الجهادية -كما يظنون- وفي جنتهم التي يحلمون بنيلها، ومن جانب آخر يتم التلاعب على وتر «العدالة» فالترويج لإحلال العدل في دولتهم الإسلامية قد أغرى بعضهم ممن باع الأهل والولد والوطن ليلتحق بركبهم ظناً منه بأنه سيُساهم في القضاء على مظاهر الظلم ليعم العدل بمواصفاته الإسلامية الذي يقوم على دعائم الدين المحمدي السمح، وبدوره سيتم نسف معالم الفسق والفجور -حسب تصنيفهم- والمتمثلة في خليط من البشر بسمات التعددية ليُنسَف كل: علماني.. ليبرالي.. رافضي …إلخ، هذا بعض ما شد صغار العقول في هذا الوطن للتصفيق لداعش وتمني الالتحاق بركبهم، وأضعف الإيمان التطبيل والدعاء لهم من ساحاتهم الافتراضية، فكيف هو موقفهم الفعلي إذا تم الولوج للداخل لا سمح الله! حمى الله هذا الشعب في أرضه وأبعد الله عن وطننا كل الشرور.