يرى المتابعون للمنافسات السعودية المحلية أن استمرار التعصب بين الجماهير الرياضية والتباطؤ في محاولات الحد منه، يعدُّ تهديداً مباشراً للمنافسات المحلية خاصة تلك المتعلقة بكرة القدم وأجوائها التنافسية التي وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من الشحن المليء بألفاظ السب والشتم، مما جعل كثيرين يخشون من تفشي هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع السعودي، ووصولها إلى حد التأثير على النشء وبناء سلوكياتهم. وفي الوقت الذي بدأت فيه المخاوف تزداد خاصة مع تباطؤ الجهات المعنية في إيجاد حلول عاجلة لانتشار التعصب وتفشيه بين الجماهير الرياضية وخاصة فئة الشباب، طالب متابعون بتدخل رجال العلم والمشائخ وهيئة كبار العلماء من خلال إقامة حملات تثقيفية وتوعوية تستهدف الجماهير الرياضية لمحاولة إعادة التشجيع الرياضي إلى مساره الصحيح المتوافق مع القيم الدينية والوطنية. وسبق للداعية المعروف الشيخ عايض القرني أن وضع بصمته في هذا الاتجاه، بعد مشاركته المؤثرة في عدد من اللقاءات والبرامج التلفزيونية والملتقيات الشبابية والمناسبات الرياضية، حيث شدد على أهمية إقفال مدرسة السب والاستهزاء والسخرية وفتح جامعة الحب والسلام والأخوة انطلاقاً من الآية القرآنية: «إنما المؤمنون إخوة». وأكد القرني في أكثر من حديث متلفز له على أهمية تفعيل الروح الرياضية التي انتشر مصطلحها بين الرياضيين دون تطبيق ووعي بمدلولاتها. وحظيت مشاركات القرني وتوجيهاته بتفاعل كبير، وهو ما جعل كثيرين يطالبون بضرورة إيجاد مبادرات مماثلة خاصة من المشائخ والدعاة الذين يحظون بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن هذه المواقع باتت هي الوعاء التي يفرِّغ فيه المتعصبون والمشحونون طاقتهم السلبية تجاه بعضهم لمجرد اختلاف الميول والآراء. وفي ظل اشتهار الداعية المعروف سلمان العودة بمقاطِعِه عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول أهمية التغيير وطرد الطاقات السلبية عند متابعيه، فإن ثمة مطالبات أيضاً بأن تأخذ كرة القدم وصراعاتها التنافسية حيزاً من اهتمامه تحت مظلة إحدى المبادرات التوعوية التي ينتظر أن يتم إطلاقها للحد من تعصب الجماهير وإدمانهم الإساءات، وشارك العودة في فيلم قصير حول تعزيز القيم الوطنية لدى بعض اللاعبين من مواليد المملكة وأهمية تجنيسهم لخدمة المنتخبات الوطنية، وهو ما جعل البعض يربط ذلك بتوجه العودة نحو الرياضة وهمومها، وطالبوه بأهمية أن يبادر لتوجيه الشباب وعدم وقوعهم في مستنقع التعصب الآسن. فيما يرى إمام الحرم السابق الشيخ عادل الكلباني، في تصريحات سابقة ل «الشرق»: أن التعصب الرياضي امتداد لما يحدث في المجتمع من تعصب في كل القضايا سواء في الرأي أو حتى الألوان، وعلى سبيل المثال إذا كان أحد أصدقائك يكره اللون الأزرق فعليك أن تكره هذا اللون مثله، وكذلك في الهواتف إذا اشتريت «آيفون»، يقولون لك لماذا لا تشتري سامسونج، والتأجيج في الرياضة يأتي من الصحافة غير المحايدة، وكذلك البرامج الرياضية الموجودة حالياً غير محايدة. ولم يُخفِ الشيخ الكلباني ميوله الكروية كاشفاً أنه مشجعٌ لنادي النصر منذ سنوات طويلة. وعلى الرغم من نزوح الكلباني إلى خلق الجدليات في مواقع التواصل الاجتماعي وتعمده الإثارة في ردوده وتفاعله مع متابعيه إلا أنه حتما سيغير من رأيه عند إطلاق حملة توعوية تستهدف الشباب المتعصب وإرساء قواعد وسلوكيات للتنافس الرياضي الشريف المبني على احترام آراء الآخرين واتجاهاتهم. ويأمل المتابعون والمحبون للكلباني في أن لا يكون حجر عثرة في مشاريع القضاء على التعصب الرياضي من خلال نشر آرائه الرياضية المتعصبة لاسيما وأنه يحظى بجماهيرية واسعة بين أوساط الشباب. وأمام هذه المطالبات، قال مفتي المنطقة الشرقية وعضو مركز الإفتاء الشيخ خلف المطلق ل «الشرق» إن التعصب الذي يحدث في الرياضة هو أمر غير مقبول وفيه مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي، أما السب والشتم والاستهزاء بالآخرين فهو أيضاً يخالف نصوصاً كثيرة يعرفها الجميع حول تحريم ذلك، وأشار المطلق إلى أن ما يخرج عن إطار الرياضة من أمور غير لائقة قد يؤثِّر على شعبيتها وقبولها لدى كثير من الناس، فاللعب أمر مباح لكنه قد يكون غير ذلك إذا ارتبط بوقوع محرمات ومخالفات مثل اللعن والشتم. ويرى فريق من المتابعين الرياضيين أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب باعتبارها الجهاز الحكومي المعني بالالتفات صوب الشباب وتقويم أفكارهم واتجاهاتهم الرياضية، يقع على عاتقها مهمة تقويم المسارات الخاطئة في الجوانب الرياضية، مؤكدين على أن الرئاسة يجب أن تحمل لواء تغيير العادات الغريبة المنتشرة بين الجماهير، إضافة إلى نبذ التعصب الرياضي وعقد ندوات جماهيرية ولقاءات مفتوحة وبرامج وأفلام تقوم بدورها التوعوي والإرشادي بين الحشود الجماهيرية. ويُجمع كثير من الرياضيين على بعض البرامج الشهيرة والمهتمة بكرة القدم السعودية التي تغذي التعصب والانشقاق الجماهيري من خلال تعمدها استقطاب ضيوف ليسوا على وفاق فيقومون بالتناحر اللفظي أمام الملايين وينشرونه بين أوساط الشباب والنشء، ويؤكد متابعون أن هذه البرامج تتحمل نسبة كبيرة من انتشار التعصب بين الجماهير لاسيما وأنها اشتهرت بإثارته وتعمد طرح المواضيع المثيرة رغم عدم صحتها، ويقع على هيئة الإذاعة والتلفزيون مسؤولية كبيرة في سعيها نحو إيجاد تنافس رياضي شريف ينسجم مع القيم الدينية والوطنية لأبناء هذا البلد. ويبقى التساؤل مفتوحاً على مصراعيه: هل ينتهي التعصب الرياضي؟، وهل دخول الدعاة والمشائخ والعلماء في حملات توعوية للجماهير سيحد من انتشاره بين أوساط الرياضيين، أم أن المسألة مرتبطة بالعودة إلى مؤسسات المجتمع المدني وأهمية زرع ذلك في النشء في مراحل التعليم الأولى؟.