«إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها» *حديث نبوي شريف. لطالما تردد على مسامعنا أن دلالة هذا القول للرسول (ص) تبين أهمية النخلة، ولم نذهب بتفكيرنا إلى أبعد من حدود ذلك التلقين، لم نُبصر أن تلك الفسيلة هي كناية الأمل، واختزال الأحلام، هي دلالة الإتقان، ودعوةٌ للمضي، حيث إن ساعة القيامة أو الموت واحدة، أما ساعات احتضار الأمل فهي متكررة، متعددة، ومتمددة في أعمارنا. لم يخبرونا بألا نخجل من شعلة الأمل الخافتة في الروح إن تتابعت الرزايا والبلايا، لم يخبرونا بأن العِظام ذهبوا إلى عظمتهم أو إلى حتفهم مبتسمين ومطمئنين برسوخ جذر الحياة في تراب التضحيات. قالوا لنا اتكلوا؛ فاتكلنا، لننتظر في الخواء، قالوا لنا اصبروا؛ وغَطّوا وجه الصبر فلم نعرف له سبيلاً، قالوا وقالوا لنضيع في خدر القول ولا سبيل! ليتهم علمونا أن ننهض وقت الانكسار بعزيمة الأحرار، ليتهم علمونا أن أحلامنا الصغيرة ليست خيانة لحلم الأمة؛ بل قطرة الماء، تلك التي تفتت صخور الدرب، ليتهم وليتهم والحديث يطول.. لكني لا أخجل من مطاردة حلم هارب وسط الخراب، ولا أخجل من بسمة فرح، أو ضحكة أخترعها أمام طفلي والكون من حولي نواح! فكل شرف محاولة إنما يأتي من الأمل، الذي لولاه ما شُق طريق وعر، ولا نبتت عشبة من بين مفاصل صخرة، ولا استقامت دعوة نبي. الأمل نبضه الإيمان، وتجلياته الصبر والصمت وابتسامة رضا منهوبة من وحش الحزن. الأمل قوة لا يعرفها إلا من سخِر من ضعفه وتحدى وحشة دربه وآمن أن الله ربه. وهو ذلك النور الذي ينجينا في لحظات ما قبل السقوط، ولأنه كل ذلك سأبقى أنشده لأحيا شامخة، ولأنه أكثر من ذلك سأقف كل يوم بل كل لحظة أتسوله من جيب الأيام، أنشده من فم الصلوات. وإن قامت الساعة -وهي تقوم كل ساعة في أيامنا هذهِ كُرهاً وظُلماً وغُبناً- سأبقى أزرع فسيلة الأمل بساعد الإيمان، وقوة الاتكال. لطالما كانت مقولات الإسلام مقولات سلامٍ ورحمة. وكلّ عام والرحمة تُجلّل أعماركم بالخير واليمن والبركات.