على درب الجهاد د. زاهر بن عوض الألمعي 218 صفحة من القطع المتوسط الجهاد رسالة حق.. وخطاب دفاع عن الوطن.. ورسالة تضحية لاسترداد حق سليب أتى عليه مغتصب.. هو دعوة لردع العدوان.. من أجل كرامة الإنسان.. في سبيله الجهد يشاع.. والإجهاد يُتقبل.. لأنه صوت ضمير.. شاعرنا الألمعي شمر عن ساعده.. حرك قلمه.. وأسال مداده مجاهداً. مجتهداً بالحرف.. وجهاد الكلمة إسناد لجهاد المقاومة كلاهما وجهان لعملة واحدة اسمها «الحرية» التي لا تنتهك.. بماذا أوحى الألمعي؟! بخط ديوانه الجميل. قال لنا وهو يخاطب ليلاه العودة إلى درب الجهاد: عودي فذكرك بالثناء على فمي ومكان حبك من فؤادي في دمي وتذكري محض الوداد أبثه لحنا فيحلو منك طيب ترنم حتى إذا ندت طيوفك وانبرى حبي يُثلم بالصدود ويرتمي أحجمت لا أرضى بذل مودتي الا لمؤتلق المناقب أكرم شاعرنا فتح جبهة جهاد جديدة اسمها كرامة القلب ونزاهة الحب.. لأن النفوس إذا تنافرت تبلدت آفاقها من وحشة وضيق وتبرم قد يرقى إلى إعلان حرب وجدانية لا منتصر فيها. الألمعي في مقطوعته ألوى على جهاد أكبر من جهاد النفس الأمارة بالسوء.. تجاوزها إلى جهاد العقيدة.. حيث القدس المجهدة بأثقال المفسدين في الأرض: يا قادة الإسلام ما زالت جرا ح القدس في الآماق راعفة الدم لا ترهبوا خوض المعامع إنها مهر العلا في نصرنا المتحيم ما برحت القدس تتطلع إلى من يكفكف دموعها الباكية والشاكية.. فهل من مجيب ومستجيب؟! عن وحدة العرب الغائبة قلب شاعرنا جريح بتأوه: قلبي جريح بداء العرب ملتهب وفتنة القوم أدهى من أذى السقم ما بال قومي ويا للخزي قد هبطوا إلى حضيض بنار الحقد مضطرم؟! أيان وحدتهم، أيان جمعهوا والقوم في غيهب كالموج ملتطم سلهم.. لعلَّ فيهم من يملك الجرأة فيقول مالا يرضى عنه.. عيد الفطر له مكانة.. وأية مكانة.. إنه ختام شهر صوم وتهجد.. وميلاد يوم عيد سعيد كما تريد.. فهل هو كذلك؟! بعيد الفطر ودَّعنا الصياط وجددنا التراحم والوئاما وفي شهر الصيام صغت نفوس وواصلت المبرة، والقياما بيتان يتقاطعان حكمة ودلالة.. شهر الصوم حيث الإمساك عن الطعام وآلات.. حيث تذوق طعم الجوع وسغب الظمأ فنرحم معدمين فقراء حياتهم ظمأ وجوع.. ويوم عيد تؤكده في واقعنا فرحته أن لا يبقى لدينا شقيا ولا محروما.. يتيما.. ولا مظلوما تلك هي فلسفة الصوم وما يوحي به من معاني إيمانية وإنسانية كبيرة. شاعرنا الألمعي يتبوأ أرض الجنوب حيث النماء والخصب والأناس الطيبين الكرماء. يا ربوع الجمال بوركت أرضا وجمالا متوجا بالجمان انسجي من خمائل الزهر بُردا وارتدي من روائع الأفنان وازدهي يا ربى الجنوب وتيهي في مراقي جمالك الفتان أبيات ثلاثة تختصر ما قاله عن مرابع الربيع كافية لأن تعطي للوحة الشاعرية بريقها وألقها. وعن الحج.. عن القصد إلى بيت الله يصف أجواء الحجيج.. وأفواجهم وهي تتحرك يمنة ويسرة في ابتهال وخشوع وتكبير وقد ارتدوا ملابس إحرامهم في سواسية لا تميز بين كبير وصغير.. بين غني وفقير.. أحجاج بيت الله بورك سعيكم وعدتم إلى أوطانكم سادة نجبا فأنتم ضيوف الله والضيف مكرم وقد كشف المولى لأضيافه الحجبا وما أروع الأيام إن زانها التقى وأضحت مساعي القوم محمودة العقبى ففي نعمة الله الرضية حلقت نفوس إلى عليائها تنشد القربى مقاطع من قصيدة طويلة ترسم أكثر من مشهد روحاني يمر به الحاج.. لقد وقف الحجاج في كل مشعر يلبون للرحمن يدعونه ربا تلبي له من كل فرد جوانح وتملأ بالأذكار مقولها الرطبا وقد جمع الله القلوب عزيزة على «عرفات» الله فامتلأت حبا فأضحت كبنيان ثباتا وقوة وقد جددت إيمانها صادقا صلبا أكتفي بهذه القدر من مشهده الإيماني على صعيد عرفات.. ليأخذنا مشهده الثاني في «ربى الحرمين» حيث الضيوف الروحانية تحاوره ويحاورها وكان البادئ: فقلت لها وفي نبرات صوتي وداد.. أين أزمعت المقاما؟ فقالت في ربى الحرمين أشدو أناجي البيت والبلد الحراما.. وعند الركن تنحسر الخطايا ململمة جوانحها انهزاما سأعشق مواطن القربى وإني على حب القداسة لن ألاما فقد عبق الأريح بكل فج وعمَّ النفح زمزم والمقاما وفي ركن الحطيم له ائتلاق إذا رام الحجيج له استلاما مشاهد روحانية يكمل بعضهما البعض.. أعطاها من قلبه ومن قلمه.. ومن روحه ما هي جديرة به. شاعرنا طوَّف بالمغرب العربي.. عانقها شعراً: عبر حوار ممتع بين ما قاله وما قالته الحسناء: قلت يا حسناء إني مفهم بوداد يتنامى في كياني فأجابت: أنا في أوج العلا والعلا لا تتأتى بالأماني فاستبق ان كنت من أرجي فما برحت عيناي في سبق الرهان قلت.. قد بالغت في العجب فما باعث الإعجاب يا زين الحسان فاشرأبت للعلا قائلة أنا من أرض القداسات مكاني أنا من أرض البطولات التي خفقت راياتها عبر الزمان.. حسناء شاعرنا ليست امرأة حسناء.. إنها حسناء من تراب، وتراث، وتاريخ اسمها «المغرب العربي». الألمعي يدور في فلكه المحبب إلى نفسه لا يكاد يبرحه.. فلك الإيمان.. والتبتل.. والضراعة إلى بارئه: رب أسلمت في رضاك قيادي فأجرني في حاضري ومعادي هذه أمتي على كل ثغر يتصدى أبطالها للأعادي فاهدها منهج الفلاح وسدد من خطاها على طريق الجهاد ولأن حب الوطن من الإيمان جاء التذكير لبني قومه بتاريخ قومه: خفقت راية الفتوح وناهت فوق متن الربى وسفح الوهاد فسلوا الرافدين عن جيش سعد والمثنى والقادة الرواد وسلوا الشام عن روائع قادات أغارت بالصافنات الجياد وسلوا دار عقبة كيف تمضي في رباها كتائب الأجناد إنه يذكر حاضره البليد بماضيه التليد لعل ذكراه وتذكيره تنفع الغافلين.. قصيدة أخرى من وحي مشاعر حجة لمس فيه الحلم العربي الإسلامي يتحرك بداية بالصين نهاية ببلاد الرافدين حيث يقول عن الحراك من حوله: إذا ما اعتلت في الصين صيحة مسلم تجاوب في أم القرى البيت والحجر ودوَّت بأرجاء الرباط استجابة وهبت لها بغداد وانتفضت مصر فأضحت قلوب المسلمين تضمها مشاعر يبدو في تضامنها البشر مرحلة زمنية من تاريخنا ليست بالبعيدة كان لنا حراك وطني.. وتحولات تاريخية تحررت فيها أوطان واستقلت فيها شعوب.. ثم ما لبث التيار أن انحسر.. واندحرت تلك الطموحات على وقت الفرقة.. والتأقلم فكان ما كان.. فلا الصين لمسلمها صرخة.. ولا لبغداد اليوم هبة ولا هيبة لأنها أسيرة قيد غزو أرهقها واكاد أقول أزهقها.. ومصر الحبيبة في حالها.. تدور في فلكها الخاص الذي يعنيها ويعانيها.. عن رسالة الإسلام الخالدة يتحدث شاعرنا زاهر الألمعي: أطلت على الآفاق باليمن والبشرى فتاق الورى للنور يرتقب الفجرا وكانت رحاب البيت مبعث فجرها ومنطلق الإشعاع والدعوة الكبرى وقد أنبأت رهبان بصري بسرها فجاء كمثل الشمس ما انبأت بصرى تنزلت الآيات بالنور والهدى على خير خلق الله أكملها طهرا.. يتحدث عن نبي البشرية ورسول الإنسانية ذلك الأمي.. الذي قال عنه جاحدوه إنه شاعر.. وإنه فيلسوف وما هو بالشاعر ولا الفيلسوف.. كان يتلقى الوحي من ربه فيبوح به للأقربين منه والأبعدين عنه من أجل إبعادهم عن أوضار الوثنية.. ومن أجل إسعادهم إلى هدي من الله. فلبى لها من خيرة القوم سادة وشادوا لها صرحا، وشدوا لها إزرا وأذكوا على درب الجهاد أوارها فسائل إذا ما شئت عن شأنها بدرا وأرسوا على الإيمان مجدا مخلدا يطاول في عليائه الأنجم الزُّهرا.. بسط نور الإسلام رواقه على الأرض.. ساد اليقين. وانتشر العدل.. وانكمش الجهل.. وأمام خصوم الدعوة إلى الله.. والمكابرين والمتكبرين كانت سطوة الحق أقوى.. وقوة العقيدة أمضى. فتلك ذرى حطين ما خاب ظنها وذكرى صلاح الدين تقصمهم ظهرا وذات الصواري لم تغد عن سراتنا وقد هيجت من هول روعتها بحرا أولئك قوم شيد والمجد شامخا فهل تنضوي في ظله مرة أخرى؟ سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا ونحاسب أنفسنا عليه.. بعد أن هُنّا على أنفسنا فهنّا على غيرنا.. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام هكذا قال شاعرنا وقد نكأ الجراح.. وأشار إلى الدّمل المتيقح بأصبعه.. أو بشعره لا فرق.. الألمعي في خطابه الديني لا يكل ولا يمل.. نفسه الطويل يستغرق أكثر من ساحة ومساحة هذه المرة مع قادة الإسلام يخاطبهم: يا قادة الإسلام هبوا نجدة سيف الخطوب بكل أرض مشرح واستنهضوا همم الرجال فإنها ستهب أسداً فوق ما يتوقع ما حرر الأقصى الأسير ترنم؟ وتألم من شاعر يتفحع! أو كانت تخذ البيان صناعة فالحرب عدتها المواضي القطعَّ ويستصرخ أمته كما لو أنها تسمع: يا أمتي وجب الجهاد فشمري فالموت في ساح البطولة أروع وإذا أرادت أمة نبل العلا ضحت.. ولو أكبادها تتقطع يا عزيزي.. كلنا ذلك المسؤول عن هزيمة.. إن ينبض قلبه.. إن بريشة قلمه.. إن بماله.. وإن بآماله الطموحة وبأعماله الفاعلة.. لا أحد فينا خارج دائرة الاتهام إن نحن خرجنا عن دائرة الواجب والمسؤولية. رحاب القدس تلوح معالمها بين طيات وثنايا شعر شاعرنا الألمعي. ضجت رحاب القدس وانتفض الثرى وتفجر البركان من أم القرى ومضى ينادي أمة قوامة لتدك صرح الغاصبين وتقهرا كان علماً.. وتحول إلى حلم.. وأكاد أقول إلى مجرد أمنية باهتة ونحن جميعا نرقب ما يجري على تراب القدس من خراب بحراب ذئاب الغابات.. القدس يا عزيزي يجأر بالشكوى من قساوة البلوى.. المستعمرات اليهودية تحاصره من كل جانب.. بيوت أهله تدمر.. أهله يشردون، ويطاردون.. والعالم المسكون بنفاقه وسوء أخلاقه يرى ويقرأ ويسمع ومع هذا فهو أصم.. أعمى.. وأخرس.. أكثر من هذا فهو يبارك ويشارك لأن إسرائيل صنيعته.. وغزاتها من طينته.. لهفي عليك وللسياسة مكرها أتباع في وسق الطغاة وتشترى؟ ويباع عرض المحصنات ويقتل الأ شياخ، والطفل البريء تجبرا ويشيد أبناء اليهود ببغيهم فوق الربوع الطاهرات معسكرا ودم الثكالى واليتامى مهرق يجري على أشلائهم متحررا.. غيض من فيض.. وما خفي كان أعظم.. يخاطب الألمعي الأقصى في حرقة وشكوى: يا مسجدي الأقصى إليك تحيتي والقلب يقطر بالأسى متفجرا مهما طغى الباغون في إجرامهم سيعيدك الصيد الأباة محررا هل صيحة في الله توقظ عزمنا فندك ما حاك الضلال وزورا إنه الأمل الذي لا يموت رغم الأمل الذي ينهش أعمق أعماقنا ويدميها.. قلت الأمل، فما من أمة إلا ومرَّ بها عارض ألم.. ومرحلة انكسار أو قدت في دواخلها مرجل الغضب فثار.. وأنار. لا يأس أبدا من عون الله.. حين نعين أنفسنا ونطهرها من أدران الغفلة.. وأوضار الغفوة. أخيراً.. مع شريعة الله التي لا شرع سواها.. أجتزئ منها هذه الأبيات: سطعت بنور الوحي في عرصاتها فانزاحت الظلماء من جنباتها أوحى بها رب البرية رحمة واختار للتبليغ خير هداتها البلسم الشافي لكل عويصة أعيت مخاطرها عقول أساتها عدل، ومرحمة، وحسن تعايش بين الشعوب على اختلاف فئاتها دين السلام على البسيطة كلها دين أقام العدل في ساحاتها مقاطع من قصيدته عن شريعة الله، وشرعته في خلقه.. حيث العدل.. والخير، والفضيلة.. والتسامح، والحب، والإيثار، والرحمة.. والتواصل، والسلام الذي لا خشية معه ولا خوف فيه لأنه سلام عدل. هكذا طوَّف بنا شاعرنا الدكتور زاهر بن عواض الألمعي في مساحة وساعة ديوانه «على درب الجهاد» كان أمينا في نبراته، شجياً في عبراته غير المنظورة من أجل عقيدة يؤمن بها ويخاف عليها كيد الكائدين.. ومن أجل قضية يخشى عليها تربص المتربصين.. ومن حقه الخشية والخوف وهو يشهد على مشهد من الدنيا كيف يتجبر الأقوياء.. وكيف يُذل الضعفاء.. وكيف تهان الكرامة.. وكيف تمتهن الحرية.. أقول لشاعرنا كنت رفيق درب لا يمل.. وحسبك أنك أدليت بدلوك.. وقلت ما عليك ابراء للذمة. الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338