حين كان كريستوفر هيتشنز، أحد أبرز دعاة الإلحاد في الغرب ومن بين «عتاة» المنظرين له، يريد أن يظهر الانعكاس السلبي للدين على حياة الناس وما يجره عليهم من ويلات، كان في أكثر من لقاء معه يستشهد بما كان ولا يزال يجري في العراق من اقتتال على أساس طائفي يبن الطائفتين الأبرز والأكبر على مستوى العالم الإسلامي، السُنَة والشيعة. رحل هيتشنز عن عالمنا عام 2011م، ولم يشهد تأزم العداء والاحتراب الطائفي وبلوغه ذرى لم يبلغها من قبل في السنوات الثلاث الأخيرة في كل من سورياوالعراق، ومن يدري أين ستكون محطته القادمة؟ للقارئ أن يسأل: ما الذي دعاني لاستحضار هذا الكاتب وآرائه الراديكالية حول الأديان عمومًا (وليس حول الإسلام وحده)، ولي أن أجيب بأن ما يدعو لذلك هو معدلات الإلحاد الآخذة في الارتفاع في بلادنا، حيث أظهرت دراسة أعدها معهد غالوب الدولي الذي يتخذ من زوريخ مقرًا له أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9% من مجموع عدد سكان المملكة. هذه النسبة المفاجئة والصادمة هي الأكثر ارتفاعًا مقارنة مع دول عربية حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان، حيث إن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5% من مجموع السكان، حسبما أظهرته الدراسة. السؤال الذي أطرحه بدوري هو: هل هناك علاقة وارتباط ما بين اندلاع أوار نار الحروب الطائفية (وليس مجرد العداء والكراهية القائمة على أساس طائفي) وبين انتشار النفور من الدين والإقبال على ما يبثه الفكر الإلحادي من أفكار معادية للدين برمته؟ كيف يصبح الدين مبررًا للكراهية وعدم إمكانية التعايش، وكيف يتم توظيفه كأداة مشرعة للقتل والفتك والتنكيل وارتكاب البشاعات التي لم يعد أحد يحسب أن بوسع إنسان في القرن الواحد والعشرين أن يقدم عليها؟ كيف أصبحت نداءات التكبير والتهليل مرتبطة أوثق الارتباط بحفلات الذبح والإعدامات الجماعية وحرق الناس أحياء، فهي لا تبدأ بدونها ولا تنتهي إلا بها؟ سيقول قائل: ولكن هؤلاء لا يمثلون الإسلام الصحيح، وليسوا ناطقين باسمه، ولا متبعين تعاليمه الإنسانية السمحة. وهذا صحيح بكل تأكيد ولا يرقى إليه الشك. ولكن هل يدرك جميع المسلمين ذلك، لكيلا نتحدث عن غير المسلمين، الذين لا تتوفر لديهم معرفة واضحة وكافية عن الإسلام، وخصوصًا أولئك الشباب المنفتحين على العالم والمتعطشين للمعرفة والباحثين عن اليقين. لقد شهدت أوروبا المستقرة والمزدهرة حاليًا حروبًا طاحنة ودموية بين الكاثوليك والبروتوستانت على مدى قرنين من الزمن، ولم تنته تلك الحروب إلا مع عصر التنوير والمعرفة الفلسفية التي كانت في جانب رئيس منها مناوئة للفكر الديني، مناهضة له، حتى أصبح أعلام الفلسفة ورجالات الفكر يجاهرون بفكرة الإلحاد ويدعون لها كنوع من ردة الفعل (في وجه من الوجوه) على التطرف الديني الذي نجمت عنه مذابح وحشية باسم الإله وباسم احتكار تمثيل الدين الحق. إن أكثر ما يُخشى منه هو أن يكون شبابنا أمام خيارين، كلاهما مر: الأول هو أن يقعوا في شباك الحركات الطائفية المتطرفة ليصبحوا أدوات للقتل والتدمير وتشويه صورة الدين، والآخر هو أن ينفضوا أيديهم بشكل كلي من الدين وينضموا إلى دائرة الملحدين الآخذة في التوسع والامتداد بصورة لم تكن في الحسبان.