مع إيمان الجميع من أهل المذاهب الإسلامية ، أن وحدة الأمة ، من الثوابت والمقدسات ، وأن هناك أدلة نقلية من الكتاب والسنة عديدة ومتضافرة ، تؤكد على هذه الحقيقة ، وتحث عليها .. إلا أنه لماذا مع أي مشكلة صغيرة أم كبيرة ، تجري هنا أو هناك ، تصبح وحدة المسلمين في مهب الريح ، ويتسابق الجميع إلى انتهاكها .. والكل يصر أن الوحدة المطلوبة ، أن تصبح جميع الأطراف الأخرى مثله في الأفكار والقناعات .. وإذا لم يتحقق هذا ، فلا وحدة على حد تعبيرهم بألفاظ ومقولات متفاوتة ، بين الحق والباطل .. الاختلافات ينبغي أن لا تقودنا للانخراط في حملة إعلامية ومنبرية لبث الكراهية وتعميق نزعة العداء بين المسلمين .. فالعلاقات العدائية بين المسلمين ، تدمر أوطانهم ، وتفتت مجتمعاتهم ، وتدخلهم في حروب طائفية مقيتة. وهكذا ولأتفه الأسباب ، تتحول وحدة المسلمين شعورا وممارسة ، إلى قضية خاسرة ، في زمن يتعصب فيه الجميع لعناوينهم الخاصة ، ويضحي الجميع (فعلًا لا قولًا) بوحدة هذه الأمة ، وبضرورة التمسك والاعتصام بحبل الله المتين .. والذي يزيد الألم ألما ، هو الادعاء المتبادل كمبرر للتضحية بالوحدة ، وإدخال الأمة بأسرها في أتون التوترات والصراعات المذهبية والطائفية ، أنه هو وحده الذي يمثل حبل الله المتين .. وأن الوحدة التي يحث عليها القرآن الكريم ، تقتضي من الطرف الآخر أن يخرج من غيه وانحرافه ، ويلتحق بركبه ومسيرته.. فكل الأطراف تنادي بالوحدة وضرورتها ، ولكنها جميعا وتحت عناوين ويافطات مختلفة تتعامل مع الوحدة المطلوبة في أن يلتحق الآخرون بركبها .. ودون ذلك لا وحدة ولا اعتصام ولا حرمة للمسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم ومدارسهم الفقهية .. لهذا أي لعدم جدية الجميع في التعامل مع مطلب وحدة المسلمين والحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم العليا ، فإن هذه القيمة يتم التضحية بها لأتفه الأسباب والمشكلات .. وأسوق هذا الكلام ، ليس لتبرير الإساءات القائمة في الاجتماع الإسلامي المعاصر ، فهي إساءات مرفوضة سواء صدرت من مسلم سني أو مسلم شيعي .. فإننا نرفض الإساءات إلى رموز ومقدسات المسلمين ، ونعتبر أن هذه الإساءات من التصرفات المشبوهة التي تزيد من ضعف المسلمين ومحنهم على أكثر من صعيد .. ولكن ما أود أن أقوله : لماذا ولأتفه الأسباب تتحول العلاقات الإسلامية الداخلية ، إلى علاقات سيئة ومتوترة؟! مع إيمان الجميع بضرورة حسن العلاقة ، وبأهمية الحفاظ على عزة المسلمين ووحدة الأمة .. أعتقد أن هذه المسألة ، بحاجة لأنْ نجيب عنها جميعا ، ونسائل واقعنا ، ونفحص خياراتنا .. لأننا ولأمور بسيطة تجري هنا أو هناك ندخل العالم الإسلامي بأسره في أتون النزاعات والتوترات والصدامات المذهبية المفتوحة على كل الاحتمالات الكارثية .. وأكرر أن الإساءات بين المسلمين مرفوضة ، ولكن وفي ذات الوقت ينبغي علينا جميعا أن نرفض التداعي الإسلامي الداخلي ، والاحتراب المذهبي والتمترس الطائفي. ففي الوقت الذي نرفض السب والشتيمة للرموز والمقدسات جميعا ، في ذات الوقت نرفض أيضا إدخال الواقع الإسلامي بأسره في حروب طائفية ومذهبية .. فالإساءات لا تعالج بتوتير الأجواء واتهام الجميع وإطلاق أحكام جائرة بحق من دان الإساءة ، ورفع الغطاء الديني عنها .. إذ يقول تبارك وتعالى (أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) ، ( الزمر 9 ) .. فوحدة المسلمين من الضرورات الشرعية والسياسية والحضارية ، التي ينبغي الحفاظ عليها وعدم التضحية بها لأي سبب كان .. فنحن بحاجة إلى التفكير الجدي ، لإيجاد آليات متكاملة ، لمعالجة المشكلات والأزمات التي تحدث بين المسلمين لأي سبب من الأسباب ، دون التضحية بالوحدة أو إدخال الجميع في حروب المهاترات والتسقيط والاتهام .. فالخطأ ينبغي أن نحاصره ، كخطوة أولى لمعالجته .. والخطايا ينبغي رفع الغطاء الديني عنها بصرف النظر عن مرتكبها والقائم بها .. هكذا يجب أن نعالج مشكلات المسلمين الداخلية .. فمن الضروري في هذا السياق فك الارتباط بين واقع الاختلافات والتباينات المذهبية، وبين نزعات العداء والكراهية .. فالاختلافات ينبغي أن لا تقودنا للانخراط في حملة إعلامية ومنبرية لبث الكراهية وتعميق نزعة العداء بين المسلمين .. فالعلاقات العدائية بين المسلمين ، تدمر أوطانهم ، وتفتت مجتمعاتهم ، وتدخلهم في حروب طائفية مقيتة ، تضعف الجميع ولا رابح منها إلا أعداء الأمة والإسلام .. وما يجري اليوم في العديد من الدول العربية والإسلامية ، سواء على الصعيد الإعلامي أو الاجتماعي ، هو يتجاوز حالة الاختلاف والتباين المذهبي ، ويدخل في نطاق بث الكراهية المذهبية وترسيخ مفهوم العداء بين المسلمين ، لاعتبارات مذهبية .. فما نسمعه في العديد من المنابر ، هو تعميم لمفهوم الكراهية المذهبية ، وتغطيته دينيا وثقافيا .. وهذا بطبيعة الحال ينذر بمخاطر عديدة ، تمس الواقع الإسلامي المعاصر بأسره .. فالاختلافات المذهبية مهما علا شأنها ، ينبغي أن لا تقودنا إلى الانطلاق في حملة بث الكراهية المذهبية .. لأن هذه الحملة ومتوالياتها ، وردود الفعل المتوقعة تجاهها ، ستحوّل العالم الإسلامي كله إلى كرة من اللهب متنقلة ، ومدمرة للكثير من حقائق الانسجام والألفة بين المسلمين .. فالإسلام بكل قيمه ومبادئه ، هو دين الرحمة والقول الحسن ، ومن يدعو إلى القتل والنبذ والاحتقار باسم الإسلام ، هو يشوه هذا الدين العظيم ، ويناقض ثوابته ، ويؤسس لحروب داخلية بين المسلمين تدمر مكاسبهم وتقضي على مصالحهم .. فالوحدة بين المسلمين لا تعني أن ينتقل أحد الأطراف ، إلى الموقع المذهبي أو الفكري للآخر ، وإنما إدارة الاختلافات والتباينات المذهبية بعقلية استيعابية – حوارية ، وتوسيع دائرة المساحات المشتركة ، والتعاون في القضايا الكبرى التي تهم الإسلام والمسلمين .. فالوحدة ليست تذويبا لأحد في الآخر ، وليست تنازلا عن الأفكار والقناعات ، بل هي التزام عميق بالقناعات ، ولكنه التزام مسيج بأخلاق فاضلة وممارسات صالحة .. فالاختلاف المذهبي لا يشرع لأحد ، الخروج عن ثوابت الإسلام ، أو بث الحقد والضغائن في صفوف المسلمين .. فالمذاهب الإسلامية هي حقيقة عقدية وتاريخية وثقافية ، لا يمكن نكرانها أو التعامل معها بنزعة استئصالية .. فهي عميقة وضاربة جذورها في التاريخ الإسلامي ، ولا يمكن أن ننهي تبايناتها وخلافاتها بين عشية وضحاها .. لذلك فإننا نعتقد أن المطلوب هو الأمور التالية : أن لا نعيد إنتاج مشكلات المسلمين التاريخية ، لأنها مشكلات أصبحت جزءا من التاريخ .. ووجود مواقف متباينة تجاهها ، لا يشرع لأحد شن الحروب المتبادلة ، بدعوى الخلاف حول هذا الحدث التاريخي أو ذلك .. فالباري عز وجل يقول (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون)، (البقرة 134) .. ومن الصعوبة بمكان لاعتبارات عديدة ، أن تتطابق وجهات نظر أهل المذاهب الإسلامية في كل شيء ، لأن هذا خلاف طبائع الأمور ، ودونه خرط القتاد كما يقولون .. ولكن عدم تطابق الآراء في كل القضايا والأمور ، لا يبرر لأحد تجاوز حدود الأخلاق في النظر إلى موضوعات الخلاف والتباين .. فالمطلوب دائما أن نحترم قناعات بعضنا البعض .. والاحترام هنا لا يساوي قبول كل طرف ما لدى الطرف الآخر .. وإنما تقدير قناعة الآخر والتعامل معها ومع أصحابها وفق مقتضيات الاحترام وعدم الإهانة .. إن بناء علاقات إيجابية بين أهل المذاهب الإسلامية ، قائمة على الاحترام المتبادل والمعرفة العميقة ، يتطلب من جميع الأطراف العمل من اجل توفير كل العوامل والأسباب المؤدية إلى العلاقة الإيجابية .. فلا يكفي أن تكون نياتنا في هذا الإطار طيبة ، وإنما من الضروري أن نقوم جميعا بخطوات عملية ومبادرات مشتركة ، تستهدف نسج علاقات إيجابية بين أهل المذاهب الإسلامية ، ومحاصرة كل نزعات التخريب ، التي تستهدف بشكل أو بآخر إبقاء العالم الإسلامي مشتتا وضعيفا ومتشظيا .. فكلنا يتحمل مسؤولية العمل من أجل تعزيز خيار التفاهم والتلاقي بين المسلمين مهما كانت الصعوبات والمثبطات .. وخلاصة القول : إن هتك حرمات المسلمين ، يضر بالإسلام والمسلمين ولا يدافع عن المقدسات ، بل يوفر كل الأسباب المفضية للتعدي عليها .. فمن حق الجميع أن يدافع عن قناعاته وأفكاره .. ولكن ليس من الدفاع في شيء ، هتك حرمة المختلف معك ، ووصمه بأقذع وأشنع الصفات .. فطريق الدفاع عن مقدساتك ، هو بيانها وتوضيحها بالأدلة والبراهين .. ووجود أطراف غير مقتنعة بما تقول ، لا يعطيك حق التعدي عليهم وهتك حرماتهم .. وفي المقابل فإن رفضك لقناعات الطرف الأول ، لا يعطيك حق إهانة وتوهين مقدساته .. فالمطلوب :نزع الغل والحقد من نفوسنا ، والعمل على بناء ثقافة اجتماعية ، تحترم المختلف وتحاوره بعيدا عن الطعن في المسلّمات والثوابت..