اجتمع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، أمس الإثنين لحثه على تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً للكتل السياسية، في حين انسحبت القوات العراقية من معبر حدودي مع الأردن تاركةً منطقة الحدود الغربية بأسرها خارج سيطرة الحكومة. وقالت مصادر أمنية عراقية وأردنية إن عشائر عراقية سنية سيطرت على معبر طريبيل الصحراوي، وهو المعبر الرسمي الوحيد بين العراقوالأردن، بعد انسحاب قوات الأمن العراقية. ويتفاوض زعماء العشائر على تسليم المعبر لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» الذي استولى على معبرين رئيسين مع سوريا في مطلع الأسبوع ويتقدم نحو بغداد. وتسيطر القوات الكردية على معبر ثالث مع سوريا في الشمال ليختفي أي وجود للقوات الحكومية على الحدود الغربية الممتدة لمسافة 800 كيلومتر، التي تضم بعضاً من أهم طرق التجارة في الشرق الأوسط. وبالنسبة للمسلحين، فإن السيطرة على الحدود تعد خطوة مهمة نحو هدف إزالة الحدود الحديثة كليةً، وإقامة خلافة على جانبي الحدود السورية العراقية. وتسعى واشنطن لمساعدة العراق على احتواء تقدم متشددين يقودهم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي خرج من عباءة تنظيم القاعدة بعد الاستيلاء على بلدات في شمال العراق الشهرالجاري. وكانت واشنطن سحبت قواتها من العراق في 2011 بعد احتلال دام 8 أعوام في أعقاب الغزو الذي أطاح بصدام حسين في عام 2003. ووافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي على إرسال ما يصل إلى 300 مستشار عسكري أمريكي من القوات الخاصة للعراق لكنه أحجم عن تلبية طلب من الحكومة العراقية بشن غارات جوية واستبعد إعادة نشر قوات برية. لكن واشنطن تتعاطف أيضاً مع شكاوى كثير من السنة القائلة إن المالكي الشيعي يتبع أسلوباً طائفياً يستبعدهم من السلطة. واتفق رئيس مجلس النواب، أسامة النجيفي، مع كيري على أن الأمر يتطلب اتخاذ مسار مزدوج لهزيمة التهديد الذي تمثله الدولة الإسلامية في العراق والشام. وقال النجيفي، وهو أحد أهم زعماء السنة نشاطاً في سياسة بغداد، إنه يجب مواجهة التهديد بعمليات عسكرية شاملة ومن خلال الإصلاح السياسي. وتخشى واشنطن أن تكون الحكومة التي يقودها المالكي سبباً في تأجيج الاضطرابات بإقصاء السنة المعتدلين الذي قاتلوا ضد القاعدة في السابق لكنهم انضموا الآن لحركة التمرد التي يقودها تنظيم «داعش». وحرصت واشنطن على عدم التصريح علناً برغبتها في تخلي المالكي عن السلطة، وقال مسؤولون عراقيون إن رسالة بهذا المعنى نُقِلَت بشكل غير مباشر في الأحاديث الخاصة. وحين اجتمع كيري والمالكي تبادل الاثنان حديثاً ودياً في حضور مسؤولين آخرين. واستمر الاجتماع ساعة و40 دقيقة ثم رافق وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، نظيره الأمريكي إلى سيارته، وحينما دخل كيري السيارة قال «كان هذا جيداً». واتهم الزعيم الأعلى الإيراني، علي خامنئي، واشنطن أمس الأول الأحد بمحاولة استعادة السيطرة على البلد الذي احتلته ذات يوم، ونفى كيري هذا الاتهام قائلاً إن الولاياتالمتحدة ملتزمة بمساعدة العراق لكنها تريد تشكيل حكومة تضم مزيداً من الطوائف السياسية. وسيجري تشكيل حكومة جديدة في العراق بعد الانتخابات التي نُظِّمَت في إبريل الماضي وأسفرت عن فوز قائمة المالكي بأغلبية مقاعد البرلمان لكنه لا يزال بحاجة لضم حلفاء ليحقق أغلبية. وأمس الأول الأحد، قال كيري إن الولاياتالمتحدة لن تنتقي أو تختار من يحكم في بغداد، مضيفاً أن بلاده لاحظت رغم ذلك استياء الأكراد والسنة وبعض الشيعة من القيادة الحالية في العراق، وأنها تريد أن يجد العراقيون قيادة «مستعدة ألا تقصي أحداً وأن تتقاسم السلطة». وقال ساسة عراقيون بارزون من بينهم عضو واحد على الأقل في قائمة المالكي إن مسؤولين عراقيين تلقوا رسالة مفادها أن واشنطن تقبل برحيل المالكي، وذكروا أن الرسالة نُقِلَت إلى المسؤولين بلغة دبلوماسية. ووُصِفَت الاجتماعات الأخيرة بين المالكي والأمريكيين بالعصيبة، وقال دبلوماسي غربي أطلعه أحد المشاركين في الاجتماعات على المناقشات التي دارت فيها إن دبلوماسيين أمريكيين أبلغوا المالكي أن عليه القبول بتخليه عن منصبه إذا عجز عن جمع أغلبية في البرلمان لولاية ثالثة. وأفاد حليف وثيق الصلة بالمالكي بأن الأخير يشعر بمرارة تجاه الأمريكيين في الأيام الأخيرة لامتناعهم عن منحه دعماً عسكرياً قوياً في مواجهة تقدم المتشددين.