تعتبر ثقافة الالتزام بالقوانين في المجتمعات المتحضرة وسيلة لغاية أسمى، هي أن يكون أفراد المجتمع أنفسهم يمارسون رقابة ذاتية ومجتمعية على بعضهم بعضا، وبالتالي يصبح الامتثال للنظام فيما بعد نابعاً من القناعة الشخصية بأهميته والشعور العام بالحاجة له، ومن ثم يصبح جزءا من نسيج الحياة اليومية والقيم المجتمعية بين الناس في علاقاتهم الشخصية وتعاملاتهم اليومية، لأن كل ما يصدر من العامة فيما بعد من سلوك أو تصرفات مخالفة يكون مجالاً لرقابة المجتمع وازدرائه، بل وعرضة للمحاسبة القانونية. نحن نعيش أزمة حقيقية في احترام القانون وغياب لثقافة تأنيب الضمير، حيث إن المشكلة لم تعد تقتصر على التهاون في احترام الأنظمة فحسب، بل فيما يحصل كذلك من جراءة وإصرار ومجاهرة على مخالفتها وتساهل في النتائج المترتبة على ذلك، فالأمر يستلزم وقفة من التعامل الجاد والحازم مع كل سلوك أو تصرف يشكل استهتاراً أو تطاولاً على القوانين وعدم الامتثال لمتطلباتها. ولهذا نحن في حاجة لكي نعيد للقوانين هيبتها المسلوبة إلى تعميق ثقافة الرقابة الذاتية المستمدة من قاعدة مخافة الله في السر والعلن ونشر ثقافة الاستحياء من المجتمع، والتأسيس لمنهجية ذات مسار إستراتيجي تنفذ فيه برامج توعوية، ترسخ لثقافة أن الالتزام بالقوانين والامتثال لها يعكس مدى درجة وعي المجتمع ويعبر عن انتمائه لوطنه، لكننا حقيقة أحوج إلى رفع سقف القناعة بجدية المسألة القانونية وتأكيد مصداقية إجراءاتها العقابية الناجزة.