الاختلاف والتعدد سمتان كونيتان، ونحن كأشخاص نتنوع في ميولنا، ودوافعنا، وأهدافنا وبالتالي في سلوكنا. بعضٌ منَّا يستمتع أكثر بكل ما يتصل بالماضي، فالحنين ولواعجه، وما حدث له أو لسواه، يشكل محور اهتمام ومتعة، وبعضنا آنيٌّ؛ تتركز متعته في ما يعيشه الآن، بعضنا الآخر يعيش غده منذ اليوم، فيتعلق بكل ما يتصل بالمستقبل وتتركز متعته في هذه الأفعال التي تتعلق بما هو قادم، أغلب الأفعال التي يتم التحضير لها الآن، لجني فائدتها لاحقاً هي مرتبطة بهذا الجزء من الشعور الإنساني المتعلق بعيش اللاحق أي الغد، والقادم. حب الخلود والارتباط بالمستقبل فطرة إنسانية تتمظهر في جوانب عديدة من جوانب السلوك الإنساني البسيط واليومي. أكثر أفعال البناء والخلق إن لم نقل جميعها صغيرة كانت أم كبيرة -مثل ترتيب المنزل، تحضير الطعام، العمل، التربية، أعمال البناء- هي أفعال تبدأ الآن لهدف قادم ومُستقبلي. متعة الأبوة والأمومة تتصل في أحد جوانبها بهذا الأمر، متعة العناية بالنباتات كل هذه أمور تصب في نفس الخانة. علاقتنا ببعض الأفعال وتفضيلها على سواها، هو انعكاس لعلاقتنا بالزمن. قد ترتبط متعة التسوق مثلاً في أحد جوانبها بفكرة التحضير أو الاستعداد لأوقات ممتعة قادمة. الانهماك في بعض الأفعال هو انهماك في معنى وحقيقة ما، ورغم أن معاني كل فعل هي معاني متعددة ومُختلفة؛ فمما لا شك فيه أن التسوق مثلاً كسلوك استهلاكي له جوانب مرتبطة بتلبية حاجات الفرد في أبسط معانيها، إلا أنها ترتبط بمسائل أخرى كالاهتمام بالجوانب الشكلية للذات و «البرستيج» ونحوه، أمّا في الجوانب المعنوية الخفية المُتصلة بالوعي والكامنة في اللاوعي في أكثر الحالات، هي مرتبطة بمسألة العلاقة بالزمن، فعملية الشراء والتسوق هو نوع من شراء شعور مستقبلي لعيش أوقات قادمة وهذا مُرتكز من مُرتكزات فلسفة الإعلان، حيث يصور لك في هذهِ اللحظة شكل موسمٍ قادم، ويعرض عليك إمكانية عيش الصيف القادم أو نحوه بهذا الشكل أو هذا المظهر. رغم أّنَّه من الطبيعي أن الجميع يقومون وبحاجة لأداء أفعال مرتبطة بالأزمنة الثلاثة؛ إلا أن بعضاً منًّا أكثر تركيزاً على فعل دون آخر. تتردد النصيحة القرآنية بالتَفَكّر والتدبر دائماً، ولا شيء أولى من النفس بذلك، إننا بهذا التدبر في أفعالنا نفهم أدوارنا المُشَكّلة «للفعل» الذي يصفه جورج ميد بأنه «نبض تشكُّل المجتمع الإنساني».