يختلف كلٌّ منا في طريقة إنفاق وقته، فبعضنا يميل لممارسة أعمال يطغى عليها طابع الفائدة مثل الانغماس في العمل، القراءة، أمور ذات طابع جديّ، بينما يميل آخرون لممارسة أعمال يطغى عليها طابع المُتعة، مثل الزيارات الاجتماعية، مُشاهدة التليفزيون، ألعاب الترفيه. ورغم أنه لا يوجد فعل متعة خالص دون فائدة، فالزيارات الاجتماعية والتواصل بمعناه الأوسع، لا شك أنه يحمل في طياته جوانب إيجابية مُختلفة مثل اكتساب الخبرات، وأداء الواجب الاجتماعي كصلة الرحم ونحوه، وكذلك في مختلف النشاطات التي قد يغلب عليها طابع المُتعة. كما أنه في الوقت ذاته قد تحمل الأفعال ذات الطابع الجديّ مُتعتها الخاصّة، فممارسة العمل سواء الأعمال الوظيفية أو المنزلية، أو القراءة، وما شابه، رغم أنها تبدو نشاطات جدّية إلا أنها لا تخلو من المُتعة، ولا عجب إن رأينا بعضهم يدرس بمتعة وشغف، وإن قلَّ ذلك أو نَدر. فلا يوجد فعل فائدة خالص دون متعة، أو العكس. هذا بالنسبة لطبيعة الأفعال بشكلٍ عام، أمَّا طبيعتنا كأشخاص فاعلين فهي المختلفة، فقد يمارس أيُّ منا عملاً من أيّ نوع دون متعة أو فائدة، قاتلاً لطاقاته، هادراً لوقته، مُستسلماً للظروف، مُغمضاً عينيه عمّا يحمل هذا الفعل من جوانب إيجابية، قد يتمكن من الوصول إليها، إن حفّز ذاته وبحث عنها، نراه يجلس مع هذهِ الجماعة أو تلك من باب «الفراغ/الملل» وكثيرة هي هذهِ المترادفات التي يجود بها قاموسنا الاجتماعي، كما هي كثيرة الأمثلة التي تستنزف وقت الإنسان/ أي عمره دون مُتعة أو فائدة. قد تكون حالة السلبية في التعاطي مع النشاطات المُختلفة بما تحمل من هدر للطاقة و الوقت مبرَّرة لدى صغار السن، ممن لم يختبروا مسؤوليات الحياة. لكن أن تجد نفس هذهِ الحالة تتكرر بين مُختلف الأعمار، ومُختلف الشرائح الاجتماعية فتلك هي المصيبة، وقد يتجه بعضهم مباشرة لمبرر الظروف والواقع ونحوه، ولا شك أن للبيئة المجتمعية بمختلف جوانبها دوراً وتأثيراً مباشراً في تشكيل طبيعة أبنائها، إلا أنَّ الدور الأكبر والأهم هو دائماً للتربية الأسرية، حيث تتقلص حالات السلبية والعدمية هذهِ من خلال شيئين أساسيين هما تَحمّل المسؤولية، واتساع أفق التفكير. ممارسة أي عمل أو نشاط دون أي مُتعة أو فائدة، وعدم استشعار ذلك، هو مؤشر عدميّة، تفني الوقت/ أي العمر القصير الذي نعيش.