لفت نظري تغريدة على الموقع الاجتماعي الشهير "تويتر" يقول صاحبها لاحم حمد الناصر تحت هاشتاغ بعنوان: (#اعتقادات_السعوديين) إن السعوديين يعتقدون "أنهم الشعب الوحيد بالعالم المتدين صاحب العقيدة السليمة". كما لفت نظري تغريدات أخرى في نفس الموضوع، ومنها: - أن السعوديين يرون بأن "انتقاد رجال الدين من انتقاد الدين" .. - "من يثير الفِكر ويحلل الأمور هو بطبيعة الحال ليبرالي أو يتبع نظاماً خارجياً" .. *** التغريدات السابقة، وأخرى عديدة مثلها، إضافة إلى تفكير البعض عندنا عن الدين، فيه خلط كبير بين الدين والتدين، هو موضوع صادف أنني أقرأ عنه مؤلفاً جديداً للكاتب عبدالجواد ياسين بعنوان: (الدين والتدين: التشريع والنص والاجتماع)، يناقش كيف أن "الدين" حقيقة مطلقة. فالإيمان بالله والأخلاق الكلية، وحدهما، المطلق في الدين، أما التشريع فهو مرتبط بالتاريخ. لكن وعلى امتداد التاريخ، تراكمت حول النص منظومات من الرؤى والمفاهيم والأحكام، مكونة ثقافة دينية أوسع من منطوق البنية الدينية التي يقدمها النص. وصارت مفردات هذه الثقافة التي أفرزها "التدين" جزءًا من الدين في ذاته. ومن خلالها تسربت إلى الدين عقائد وتكاليف ذات دوافع سياسية واقتصادية، فضلاً عن نزوعات الغرائز البدائية التي تدفع إلى الكراهية والقتل. وعلى مستوى الديانات الثلاث وفي كثير من الحالات كان هذا التسرب يتخذ شكل النص أي الوحي المتحول على الله، عمدًا أو على سبيل الخلط الناجم عن تداخل المفاهيم. *** إن منابع الدين ونصوصه لا تنضب }إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون{ وما تزال السنة الصحيحة منبعاً تفسيرياً للنبع الأول "أوتيت القرآن ومثله معه"، إلا أن تقديس التفاسير غير النبوية للنصوص القرآنية، التي إن ناسبت زمناً فهي لا تناسب زمناً آخر، ومن ثم فإن التمسك بها لدرجة التقديس وأن تصير هى الدين لون من ألوان التعصب. فقد أضفت قداسة على تلك التفسيرات وجعلت منها جزءًا من الدين، بحيث صار ما هو اجتماعي أكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية، التي تعمم على مكوناتها تلقائيًا صفة القداسة المؤبدة. *** كتاب (الدين والتدين) يطرح فكرة التفرقة بين الدين والتدين، حيث يثير في دراسة مستفيضة النقاش حول تسكين التشريع بما في ذلك شقه المنصوص، داخل التدين لا الدين، أي داخل دائرة المتغير القابل للتطور، لا دائرة الثابت الممتنع عن التغير. ويدور البحث حول العلاقة المثلثة التي تربط بين الدين والاجتماع والقانون. وخلال 469 صفحة يُبحر بنا المؤلف المستشار عبدالجواد ياسين في دراسة شيقة جديرة بالقراءة والتأمل. § نافذة صغيرة: [[قوة العقيدة الدينية الجبارة والميل للتدين, تقبع دفينة فى العقل الباطن للإنسان, ولا يستطيع مغالبتها أو الهرب منها أو التحكم فيها بسهولة. الدين والتدين هما الشغل الشاغل لكل جماعة إنسانية ... بدءاً من إنسان الغابة, وحتى أرقى المجتمعات الحديثة.]] محمد زكريا توفيق [email protected]