ترتبط المدن عادة بصفات على مر السنين تصبح لها كالماركة المسجلة، يعرفها الناس، وتدخل في أدبياتهم وأغانيهم وأحاديثهم، مثل أغنية فهد بلان رمان الطائف، وأغنية عسل الشفا، ومثلما ارتبطت جازان بالفل والكادي والحريد وبني مالك بجيلة باللوز البجلي والقيم بالطائف بالحنطة اللقيمية والقصيم بالسكري والكليجة، ارتبطت جدة بأنها عروس البحر الأحمر، غير أن جدة في الفترة الأخيرة خلعت رداء العروس وأهدته إلى مدن أخرى، مثل حائل عروس الشمال، والعلا عروس الجبال، وأبها عروس الجنوب. جدة اختارت لنفسها عناصر أخرى ارتبطت بها، مثل كارثة السيول، وحمى الضنك، وحفر الشوارع، ولحمى الضنك مع جدة قصة، فعندما ظهرت المشكلة قبل سنوات أنكرتها الأمانة، ثم تعاملت معها على أنها موضوع تافه وبسيط وكرة تتقاذفها البلديات والزراعة والصحة، ثم اتضح أنها مشكلة، وعندما كبرت المشكلة صرفت مئات الملايين، وذهبت وفود إلى سنغافورة لترى كيف حلوا المشكلة قبلنا، واستمتع الوفد بالتسوق في شارعها الرئيسي shopping paradise، وعادوا وقد ذهب جزء من المال قبل اختلاسات السيول، وبقي الضنك عندنا، واختفى من سنغافورة مع أنها خضراء ومطيرة طوال العام، وفيها بحيرات مكشوفة، وجدة تغرق من المطر مرة في السنة، وتربتها مالحة، ثم نقول إن مناخنا أكثر ملاءمة لتكاثر البعوض من سنغافورة ومدن الخليج العربي، وبعد تجربة المكافحة لسنوات نكتشف زيادة حالات الإصابة 5% عام 2010، وفي جدة وحدها يصاب يومياً سبعة أشخاص من كل عشرة أشخاص في المملكة، وهي الحالات المسجلة عدا الحالات التي يتعالج أصحابها ويتعافون دون أن يصبحوا رقماً في إحصاءات وزارة الصحة، وتقول إن السبب كثرة المستنقعات، وظننت أننا في جنوب السودان أو في أدغال الأمازون، والسبب الثاني كثرة الأمطار، وهي مرة واحدة في السنة، والله يستر، والسبب الثالث الذي قالته عادات التخزين في أوانٍ مكشوفة في المنازل والأحياء، وطبعاً جدة من بين كل مدن المملكة ليست لديهم مواسير مياه من التحلية إلى الخزان فالصنبور إلى البيارات، وإنما يجلبون الماء من النبع والبئر في قرب ثم يصبونها في حنفيات مكشوفة ويشربونها بالطاسة، اللهم لا تجعل معيشتنا ضنكاً بالتفسيرات التي لا تحترم عقولنا؟