وطننا الغالي في أغلبه الأعم يتمتع بالأخلاق الإسلامية الحميدة، وإن ظهر على السطح ما يعكر صفو الود بين المواطنيين، من نعرات ونظرات ضيقة تسعر جذوتها وسائل التواصل الاجتماعية لا تصل إلى درجة الخطورة، نتيجة إدراك الدولة وإيجاد الحلول الناجعة ووعي المواطنين. وكما يقال «الوقاية خير من العلاج» عليه رأيت أن يوجد ميثاق لتعزيز (اللحمة الوطنية) ومحاربة الطائفية والمناطقية والقبلية وغيرها. وكوجهة نظر يمكننا تحقيق هدفنا الذي نسعى إليه جميعاً عن طريق مصطلح أسميته (ميثاق الأخلاق الوطنية)، وفي اعتقادي أن هذا المصطلح إذا ما أريد له الاستنهاض والانتشار كثقافة وطنية كفيل بتوصيلنا لما نصبو إليه. ولتوضيح هذا الطرح نبدأ بنظرة تشريحية لمعرفة أسباب الاختلاف، الذي يؤدي إلى الخلافات والصراعات والاقتتال منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، مستنداً على كتاب لا يأتيه الباطل والأسباب هي: أولا: الذاتية الاستعلائية {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}. إن الذاتية الاستعلائية {أنا خير منه} أخطر شيء نواجهه لأن صاحبها لا ينفك عنها، هذا الاستعلاء يصل لدرجة أن إبليس يحتج و يرد على الله سبحانه {خلقتني من نار وخلقته من طين} ولسان حاله يقول: كيف يا الله تطلب مني السجود والنار أفضل من التراب؟. هذه الذاتية أوصلت فرعون إلى قوله: {أنا ربكم الأعلى} ويلزم قومه بعبادته وبرأيه فقط {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}. ولأن الناس خيرون بطبعهم تجدهم لا يقبلون الشر، لذا تجد أن الاستعلائيين يجذرون الفرقة بينهم حتى ينشغلوا فيما بينهم {إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}. وهذه الذاتية {أنا خير منه} تتخذ صوراً متعددة تنطلق منها. ثانياً: الذاتية الدونية وهي عكس الاستعلائية فصاحبها يشعر بدونيته مقابل من يراه أفضل منه والنتيجة يضمر ويظهر الغل والحسد والحقد حتى القتل {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. وأصحاب هذه الذاتية يخططون ويعملون بعيداً عن الأخلاق والأخوة. لأنهم لا يحبون أن يكون غيرهم الأفضل (وليس لديهم مقومات الأفضلية) وبالتالي يعملون على تشويه صورة الأفضل ببهتانه وإقصائه وتهميشه وازدرائه إلى أبعد الحدود حتى لو استدعى الأمر قتله، وهذه الذاتية تجدها في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ}. ثالثاً: الرفض إزاء القبول كل فرد أو أسرة أو جماعة أو ديانة أو فرقة أو سياسة أو دول أو حضارة أو فلسفة أو فكر أو آراء يحب أصحابها أن يكونوا مقبولين، وإذا رُفِضوا فإن العداوة تنصب نحو البديل الذي نافسهم كونه السبب الرئيس في استبعادهم:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ * قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. فالإنسان التقي يقبل الله و الناس أعماله. وأصحاب هذه الحالة ليست لديهم نظرة استعلائية كالحالة الاولى بدليل:{قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} فالآية تصور نفسية قابيل بإقراره بالعجز وقناعته أن الغراب أفضل منه. فالدافع للقتل كون ما قدمه هابيل مقبولا وما قدمه قابيل مرفوضا، وهذا ينطبق على الصراعات الدينية والفكرية والسياسية فكلها تدخل في هذا السياق. بعد أن استعرضنا الحالات التي تستوجب الاختلافات والخلافات حان الآن التعرف على الحل الناجع؟. الحل باعتقادي بالتمسك ب (ميثاق الأخلاق الوطنية) نعم (ميثاق الأخلاق الوطنية – National Charter of Ethics) فهو حل مستمد من صاحب (الخلق العظيم المحمدي) وكلنا محمديون، فقط نحتاج إدراج الميثاق في الواقع العملي وتبني (ميثاق الأخلاق الوطنية) في كتاباتنا وأدبياتنا بشكل عملي تفاعلي وطني، لأن هذا الميثاق يوحد ويجمع القلوب {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ * وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. و(ميثاق الأخلاق الوطنية) يجعلنا نتمسك بقوة بالعدل والمساواة بين الناس حتى مع شنآنهم {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله}. وهذا الميثاق يصاغ بحيث يكون منسجماً مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – المتعلقة بالحوار بين المذاهب الإسلامية. وسيكون (ميثاق الأخلاق الوطنية) له دور في تقريب وتعزيز وتوحيد قلوب المواطنين بمختلف تعددياتهم وأطيافهم وشرائحهم.