حاول أن تعد لنفسك وجبة صغيرة لهدف محدد؛ صحن فول بالسمن البلدي سيلغي حتماً أي ثورة عقلية أو محاولة تفكير جادة داخل جمجمتك المصونة؛ اجلس بعدها مسترخياً وركز في الفراغ الذي أمامك دون محاولة للربط الجاد بين الأشياء، وستنسى سوريا والشبيحة وأحلام وفيفي عبده وجورج وسوف، وأيام التحشيش وسنينه، وأوقات الكتابة.. سترى في الفراغ الذي أمامك نملة تحمل على ظهرها طفلاً معاقاً، وبيدها اليمنى ثلاجة شاي، وفي اليسرى بعض أقراص الخبز والسمبوسة وبطاطس التشيبس. لا تقلق حينما تراها تمشي بسرعة؛ إنها تستعجل كي تجد لها مكاناً مناسباً على الرصيف لتبيع وتكسب رزقها.. أفضل مكان لها أن تكون دائماً على الرصيف وأمام كل المارة» فلا اختلاط هناك ولا يحزنون»!! سيتوقف أمامك عجوز بائس وينزل من سيارته ويتجه إلى الصراف ليسحب فتات الضمان الاجتماعي، وبعدها سيذهب إلى محل التميس ليشتري فطوره الصباحي المعتاد، وبعدها إلى البقالة، ومن ثم إلى البيت.. الرحلة المرة نفسها تتكرر حتى الفناء؛ بل أنموذج لانحدار البر.. الأولاد وفقهم الله مشغولون بالدنيا!! سيمر الناس من أمامك وهم يهللون، ويقولون كلاماً غاضباً جداً عن حالة ميؤوس منها؛ بعضهم يلعن وبعضهم يشتم، وبعضهم يؤكد أن عليها أن تبقى في بيتها لعدم تكرار المشكلة.. لا تقلق هؤلاء الناس يقولون كلاماً عادياً وهم في طريقهم الآن إلى التجمع حول حادث نقل معلمات!! ما ورد أعلاه هو الجزء الأهم من نظرية «التناحة» التي من المفترض أن يمارسها الكاتب بصفة دورية كي ينسى أو يتذكر؛ لا فرق.. المهم أن التناحة هذه راحة بال ووصفة مذهلة لمن أراد أن يرتاح من كل عاهات الدنيا وسمومها المحيطة؛ أليست التناحة هي المسؤولة عن تساوي دمعة الفرح ودموع الحزن؟.. جربوها.