خلقنا الله بعينين نرى فيهما الحق حقاً لنحقه والباطل باطلاً لنبطله، فهما كالأبيض والأسود لا تقارب بينهما، كالليل والنهار لا يختلف في التفريق بينهما اثنان، لكن ثمة أمور تقع في الحد الفاصل بينهما، ولكل فرد حرية اختيار زاوية رؤيتها، حقا يراها أم باطلاً، مشروعة هي أم محرمة، متاحة هي أم محجوبة، وأي الخيارين يفضل كان صواباً؟ لذا علينا أن نُراعي تلك المنطقة الحرة في علاقاتنا مع الآخرين، فاختلاف آرائنا وتضارب أفكارنا معهم، لا يعني أننا على صواب وهم على خطأ أو العكس، فيبادر أحدنا بتوجيه الآخر ليسلك مساره وكأنه دستور إلهي لا صواب غيره. نعم نختلف فلولا الاختلاف لسارت الدنيا على وتيرة واحدة، وبتنا مسيرين لا مخيرين، والعلاقات الإنسانية أكبر ميدان للاختلاف، فكل شخص له أفكاره، اعتقاداته، مبادئه، قناعاته، ميوله، نشاطاته، رغباته، طباعه.. إلخ، وعلينا أن نتعامل معه بإطاره الخاص الذي يُحب أن يضع نفسه فيه، لاسيما في المنطقة الحرة التي نختلف معه فيها، فلا نفرض عليه زاويتنا ليرى منها ولا نقولبه في قالبنا نحن، نتقبله كما يشاء وكيف يشاء ومتى يشاء، ولو نالنا من ذلك بعض الضرر المحتمل الذي لا يؤثر على حياتنا تأثيرا سلبيا مباشرا، إلا أنه من الممكن أن يُقلق راحتنا قليلاً أو يأخذ جزءا من وقتنا أو.. إلخ، يجب أن ندفع ضريبة تلك العلاقة ونُغمض إحدى أعيننا لنُحافظ عليها ونرسو بها على شط الأمان، وإن لم نستطع علينا أن ندفع ضريبة الراحة والمتضرر هو الذي يدفع الثمن فليبتعد بهدوء مخلفاً وراءه كلمة طيبة وذكرى جميلة، بدلاً من توجيه اللوم والعتاب أو توجيه الملاحظات والانتقاد المستمر، هكذا كان الحبيب المصطفى في علاقاته لا يُحرج الآخرين حتى وإن خالفوه، ينصحهم لا يفضحهم، يعفو عنهم ويتجاوز عن زلاتهم، يُراعي مشاعرهم ويُحسسهم بأهميتهم، يتعامل مع كل شخص وكأنه مميز ويستحق الثناء، فلتكن علاقاتنا محمدية، وليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة.