حينما نعيش في زمن مليء بالإحباطات بسبب العوامل، التي مر بها العالم العربي خلال السنوات الماضية، نلاحظ مدى انعكاس ذلك على المجتمع المحلي، الذي هو جزء من الوطن العربي الأكبر، سؤال يتبادر دائماً وهو كيف يمكن أن نسهم في عودة الروح الجميلة إلى هذا المجتمع، ورفع معنوياته؟ وذلك لمعرفتنا عن مدى تأثير تلك الروح السلبية على تفكير الفرد، ناهيك عن تأثيرها على الإنسان بشكل عام، ولنا في التاريخ القريب خير شاهد، لا يخفي على أحد كيف كان لنكسة 1967م أثر سلبي على المواطن المصري والعربي، ونلاحظ أن مَنْ أسهم في عودة الروح أو جزء منها كان الفن. وبالأخص الغناء العربي الأصيل. كلنا يعرف حينها كيف كان الأدب منقسماً انقساماً كبيراً على الحرب، البعض يهاجم بشراسة، والآخر كان في حيرة من أمره بسبب الإحباط الذي يعيشه. ولكن وحده الفن والفن الغنائي تحديداً مَنْ أسهم إسهاماً كبيراً في رفع معنويات المجتمع، ولنا مثال بما قدمته سيدة الغناء العربي أم كلثوم بعد حرب 1967م، والكل يذكر جولاتها في الوطن العربي والعالم لدعم الجيش المصري بعد الهزيمة، ونحن اليوم أحوج إلى صوت كلاسيكي مشابه إلى صوت سيدة الغناء العربي يقوم بالدور نفسه، الذي كانت تقوم به أم كلثوم أو عبدالوهاب أو عبدالحليم حافظ، وكيف أسهم ذلك النوع من الغناء في تهذيب الذوق العام وأثرى الحركة الفنية والأدبية. نحن في المملكة العربية السعودية محظوظون بوجود صوت نسائي من الأصوات الفريدة، وقد عاد ذلك الصوت إلى الغناء عام 2013م بعد غياب عن الساحة الفنية دام أكثر من 25 عاماً، وهي أول امرأة تسجل أغنية في الإذاعة السعودية في عهد الملك فيصل -رحمه الله- وقد أشاد بها كبار الكتّاب والملحنين، الذين كانوا يقدمون إلى سيدة الغناء العربي أجمل الكلمات والألحان ذلك الصوت هو صوت المطربة الكبيرة أم كلثوم الخليج وكوكب الجزيرة وشادية العرب، وهي تغني بالدموع قبل الصوت كما وصفها الشاعر المعروف أحمد رامي، ابتسام لطفي (خيرية قربان)، والملحن الشهير رياض السنباطي قدم لها أول لحن أغنية (وداع) للشاعر أحمد رامي، ولهذه الأغنية قصة يرويها السنباطي، الذي يقول إنه تعاقد مع شخصية سعودية لتلحين أغنية للفنانة السعودية (ابتسام لطفي)، وبالفعل وافقت بمقابل مادي كما كان يعتقد السنباطي بعدما وجد مطربة سعودية بهذه الإمكانية، ويضيف «بعد دخولي إلى الاستديو سمعت صوتها وأداءها وأوقفت التسجيل وأرجعت المبلغ لهذا الشخص واستبدلت لحناً يوافق هذه الإمكانية»، وابتسام تغنت لكبار الشعراء على سبيل المثل لا الحصر الأمير المرحوم عبدالله الفيصل، والأمير بدر بن عبدالمحسن، وطاهر زمخشري، وشاعر الأطلال إبراهيم ناجي، وكان قد وقف معها الفنان المرحوم طلال مداح، والمرحوم لطفي زيني وهو مَنْ اختار اسمها الفني، ولها مع أبناء الأحساء الملحن عبدالرحمن الحمد، والشاعر جواد الشيخ بعض الأغاني الجميلة منها (حبيبي) ونحن هنا نتساءل: لماذا لا تدعوها الإذاعة السعودية وتسجل لها بعض الأغاني الجديدة، وتعيد تسجيل بعض القديم، وتخصص لها ساعة كل شهر تذيع أغانيها، وهي بذلك تسهم في رفع الذوق العام وعودة الجمهور إلى الإذاعة بدلاً من العزوف عنها والذهاب إلى الإذاعات الأهلية. ومن منا لا يعرف كيف أسهم نوع الغناء، الذي يتم تقديمه الآن من خلال تلك الإذاعات بطغيان الجانب الاستهلاكي وهبوط الذوق وفساد الأخلاق. أتمنى كما يتمنى غيرى، أن تتبنى الإذاعة السعودية تلك الفكرة، ويكون ذلك بمنزلة تكريم لذلك الصوت الرائع.