تحظى شرقية الخير بنعم جمة، فقد توالت خيراتها على مدى آلاف السنين بدءاً بالثروتين الزراعية والبحرية ووصولاً إلى الثروة النفطية، وقد انعكست آثار هذه النعم على سكانها بتطور شامل في مختلف المجالات الحضارية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وإن وجود المهرجانات والكرنفالات الأدبية والفنية والتراثية في المنطقة ضرورة ملحة، كونها تعكس قيماً حضارية راقية، و تجسد أفضل معطيات الإبداع الإنساني، و تبرز هوية الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، باعتبارها الحراك المجتمعي المنبثق من ثوابت الأمة وقضاياها، والوسيلة الرئيسة للجذب الاقتصادي الكبير، لما لها من قيمة سياحية وإعلامية وفنية، كما تؤدي إلى تبادل الأفكار وتلاقي الثقافات وتلاقح الرؤى. والفعاليات التي تقام على هذه الأرض الطيبة تعدّ مرآة حضارية للنهضة الشاملة فيها؛ حيث تصور مدى وعي القائمين عليها، وتعبر عن إدراكهم الحقيقي لحجم الرسالة التي تكفلوا بأدائها واضعين نصب أعينهم مسؤولية مدّ الجسور بين الماضي والحاضر، ما يجعل الرؤية متكاملة الأبعاد في نظر الجيل الصاعد، كما يجعل تلك الرؤية ترجمة حية لأمجاد المنطقة وتراثها الأصيل وحضارتها الراهنة للسياح والمهتمين والجهات المعنية. لقد كانت انطلاقة مهرجان الدوخلة في عام 1426ه اللبنة الأولى التي تمخضت بنتائج إيجابية، لافتة نظر القاصي والداني في المنطقة ومسترعية نظر المسؤولين، ففعالياتها المتنوعة قد صدحت بنغمات (الهولو و اليا مال)، ثم تنامت هذه الاحتفالية عبر سنواتها التسع لتضم بين دفتيها باب العلوم والفنون والتجارة والآداب والطب والاقتصاد، متوجة نجاحاتها برعاية ودعم من الجهات الحكومية والمجتمعية، وسرعان ما سطع نجم هذا المهرجان، فحظي بشهرة واسعة، احتضنها الإعلام المحلي و الدولي، حتى أصبح وسيلة للتثقيف وغرس القيم النبيلة والشعور بالانتماء الوطني ورفع المستوى الثقافي في المجتمع. وفي عام 1434ه كانت انبلاجة فجر مهرجان الساحل الشرقي في ثوبه الزاهي، وقد جاءت أهازيج (توب توب يا بحر) لتذكي جذوة التعلق بالتراث البحري؛ حيث نجح هذا المهرجان في استقطاب أعداد كثيرة من الزوار عبر تجسيد الحياة والبيئة البحرية واستعراض الحرف اليدوية ورحلات الغوص وعادات وتقاليد الصيادين والبحارة وطريقة عيشهم بكافة تفاصيلها في المنطقة الشرقية قديماً. ونشيد هنا بدور كل من إمارة المنطقة الشرقية وأمانتها وهيئة التنمية السياحية بها في دعم المشاريع التنموية والسياحية، كما نثمن دور الشركاء الحكوميين والمجتمعيين في دعمهم اللوجستي والداعمين من القطاع الخاص ورجال الأعمال الذي يشجع على إقامة المهرجانات التي ترتكز على مقومات المنطقة السياحية و التراثية لتصبح مهرجانات تراثية رئيسة على مستوى المملكة ودول الخليج العربي بشكل عام. وسيبقى مهرجانا الدوخلة و الساحل الشرقي علامتين بارزتين ترفعان من شأن شرقية الخير، و تعليان نهضتها المباركة وإن التقاءهما في الأهداف و تنافسهما في المدخلات والمخرجات صورة حبلى بالمنافع وعلى رأسها إحداث الأثر المتبادل، وتوفير الفرص الوظيفية للمواطنين في المنطقة، ونطمح من هيئة التنمية السياحية بالمنطقة الشرقية تبني عقد ملتقى سياحي تراثي لإدارتي المهرجانين والعاملين فيهما لتبادل الأفكار التطويرية والسعي إلى إيجاد أطر عمل جديدة تهدف إلى تعزيز أنشطتهما وتكريس أهمية التراث والسياحة في المنطقة الشرقية. ولتحقيق التوسع المرجو من هذين المهرجانين وإكسابهما صبغة سفيرين دوليين لا بد من توجيه الجهود لنقل فكرتهما وتجربتهما بمختلف الفعاليات والأنشطة المصاحبة إلى العواصم الإقليمية والدولية للتعريف بتاريخ المملكة وتراثها الأصيل وبخاصة موروثها البحري، وليكن لأبنائنا المبتعثين الدور الرئيس في تحقيق ذلك بالتنسيق مع سفارات المملكة في تلك الدول تأكيداً على سياسات البلاد في الانفتاح والتواصل والتفاعل مع الدول الأخرى وشعوبها.