عندما يمتلك المرء حب العمل بإخلاص ويسعى لمساعدة الآخرين يخطط وينفذ ويجتهد دون كلل ولا ملل، عندما يجيد المرء قراءة الرسالة التي عليه في هذه الحياة ويستطيع أن يضع الأهداف التي يرغب في الوصول إليها دون جزع أو خوف أو ملامة يستطيع بكل تأكيد أن يصل إلى تحقيق هذه الأهداف وبقوة، فما بالنا بالقضايا الإنسانية التي تواجه غالباً صعوبة التعرف عليها أو الاعتراف بها خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تحكمها بعض العادات والتقاليد والأعراف الخاطئة في الأسلوب وطريقة التعامل بين أفرادها وخاصة فئة النساء والأطفال؟ الدخول في هذه المنطقة لم يكن سهلاً لتعرية بعض الممارسات الخاطئة والوقوف في وجه هذه الممارسات العنيفة المستغلة للسلطة والقوة في التحكم بأفرادها خاصة المستضعفين الذين ليس لهم حول ولا قوة، وأقصد هنا كل من يقع عليه الظلم والإهانة والضرب والتحقير والعنف الموجه للأسرة والطفل، لم يكن سهلاً الدخول لهذه الدائرة المحرمة سابقاً اجتماعياً، فلم يكن أحد يستطيع أن يقول لرب الأسرة إن طريقتك خاطئة في التربية، أو إنك تؤذي أسرتك أو أولادك بصورة مجحفة وقاسية، نعم لم يستطِع أحد الدخول إليها والاعتراف بأن هذه الأسرة تتعرض للعنف والقمع، فلم يكن الوعي كافياً ليجعل الآخرين يعترفوا بذلك، مع الأسف راح ضحيتها عديدون سواء كان نفسياً أو جسدياً أو وصلت لحالة وفاة، حينها بدأت الصحف ووسائل الإعلام تكتب عن معاناة بعضهم والسؤال الأهم من المسؤول عن هذه الحالات المعنفة؟ ثم بدأ الآخرون يدركون ما هو العنف اللفظي والمعنوي والنفسي والجسدي، بدأت تتحرك شريحة من المجتمع بتوعية بعضها ما هو المسموح وغير المسموح. انطلقت الدكتورة مها المنيف في الاهتمام بالقضايا الإنسانية الخاصة ضد العنف الموجه للأسرة والطفل من خلال منصبها كرئيس تنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني في المملكة، وعضو في لجنة ضحايا العنف الأسري في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، واستشارية طب الأطفال في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني، واستشارية الأمراض المعدية الوبائية، ومازالت أستاذاً مساعداً في كلية الملك سعود للعلوم الصحية، وأيضا لها إسهامات في عدة مجالات أخرى، أسهمت مها المنيف في نشر الوعي حول العنف المنزلي ومخاطر الاعتداءات على الأطفال، مع كادر طبي ونفسي واجتماعي أيضاً أسهم في عملية الوعي والتصدي لظاهرة العنف لأي فرد من أفراد الأسرة، والقدرة على التعامل مع الحالات المعنفة بطرق ووسائل علمية وإنسانية وقانونية وطبية، استطاعت أن تجعل لها بصمة قوية للمطالبة بحقوق الأسرة والطفل منذ سنوات قد مضت، فما حصلت عليه الدكتورة مها المنيف جائزة أشجع امرأة في العالم التي خصصتها وزارة الخارجية في الولاياتالمتحدة للنساء الشجاعات حول العالم لم يكن من باب الصدفة، بل كان حصيلة لما قامت وعملت به مها المنيف من جهد وعزيمة وإصرار في البحث عن طريق لتخفيف معاناة المعنفين ومحاولة توعية أفراد المجتمع بخطورة العنف الموجه لأسرهم، لم يكن ذلك سهلاً أو متقبلاً حينها، وهذا يترجم إصرار الفرد وإيمانه بقضيته ووضوح الرؤية والرسالة لديه كي يستطيع تخطي الصعاب للوصول لمساعدة الآخر وكشف أنياب القسوة والجبروت والظلم والعنف الموجه لأي فرد من أفراد الأسرة، شكراً مها المنيف وكل الكادر الطبي والنفسي والاجتماعي الذين أسهموا في خروجنا من الدائرة الضيقة إلى دائرة أكثر اتساعاً وإنسانية تساعدنا في تخطي عباءة الأخطاء والسلبية في تربيتنا أبناءنا ومواجهة العنف المقصود وغير المقصود عن طريق الوعي ونشر ثقافة السلام وحسن التعامل في القول والفعل بين أفراد الأسرة وتثقيف الأسرة وتوعيتها والوقوف في حزم لكل معتدٍ ومعنف، كل ذلك أسهم في خروج اللوائح التي تمنع وتقاضي أي معتدٍ ومعنف للمرأة والطفل، ومحاولة الوصول إلى روح الإنسانية في التعامل مع أفراد أسرنا واحترام بعضنا، فمن خلال ذلك يتم توعية المجتمع بكيفية التعامل مع أفراده دون عنف عن طريق الوسائل العلمية والتثقيفية والقانونية، ومحاولة إدراك ما يمكن إدراكه، حتى بدأ المجتمع يدرك حقوقه كأفراد، ونشر ثقافة الوعي ضد العنف، وأصبح التحدث عنها ظاهرة صحية تجعل كل من تسول له نفسه الإقدام على أذية طفل أو امرأة أو أي فرد من أفراد الأسرة يتعرض للسؤال والمساءلة والإجراءات القانونية والعقوبات المادية، تجعله يفكر مائة مرة قبل الإقدام على ذلك، وهذا من خلال إصدار قانون لحماية المرأة والطفل من الإيذاء، نأمل تطبيقه سريعاً. النهوض بالمجتمعات يبدأ بالقدرة على التواصل الفعال بين أفراده واحترام الآخر سواء كان طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً، العنف لا يولد غير العنف، علينا جميعاً أن نكون ضد العنف، ليس فقط العنف الموجه للمرأة أو الطفل، بل أي عنف موجه لأي فرد، ولا أقصد فقط العنف الجسدي، قصدت العنف اللفظي الذي يمارس على الأفراد من الألفاظ الجارحة والهادمة للذات وللعلاقات التي تحتوي التحقير والاستهزاء والعنصرية والفوقية والاستغلال، لابد أن نحارب كل ذلك لنكون في سلام ضد العنف.