على الرغم من أن نشأتها تعود إلى القرن الثامن عشر على أقل تقدير، إلا أن مشروع «المقاهي الثقافي» ما زال يراوح مكانه في مختلف المؤسسات الثقافية المحلية التي عملت على تكريس هذا النوع من المشاريع الثقافية غير التقليدية. وطوال الأربعين عاماً من عمر الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون فإن المشهد الثقافي لم يعرف نموذجاً واحداً ناجحاً من المقاهي الثقافية ممن حاولت هذه المؤسسات تطبيقه وتقديمه لمرتاديها. ويتذكر المراقبون أن غالبية المهرجانات والملتقيات الثقافية ومعارض الكتب التي تقام في مختلف مناطق المملكة تقيم «مقهى ثقافياً» طوال أيام فعالياتها، لكن التجربة، رغم إيجابياتها المتعددة، لم تنتقل إلى حيث المؤسسة الثقافية التي تضمن وحدها لمثل هذه التجارب الاستمرارية والتراكم الإيجابي، ما حرم المشهد الثقافي من تجارب ناجحة في هذا السياق مرت على عديد من الفعاليات الثقافية المحلية. ومع مجيء الأستاذ حسين بافقيه مدير عام الأندية الأدبية السابق، إلى منصبه العام الماضي، كان مشروع إقامة مقاهٍ ثقافية في الأندية في مقدمة أولوياته، بل إنه بحث مع مسؤولين في النادي الأدبي بجدة في تفاصيل المشروع والمكان المقترح لإقامته، لكن استقالته المفاجئة أوقفت المشروع عند هذا الحد. ومع غياب المقاهي الثقافية عن كثير من المؤسسات الثقافية واقتصارها على المناسبات الثقافية الكبرى لدى عديد من الجهات والمؤسسات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية، فإن المراقبين يأملون في أن يحظى مشروع «المقهى الثقافي» بالتفاتة جادة تتواءم والأثر الذي يمكن أن يحدثه في المشهد الثقافي، خاصة مع تراجع الأدوار الأخرى التي تلعبها هذه المؤسسات في الجانب المنبري وجانب النشر والإصدارات. وعلى خلفية غياب المقهى الثقافي في المؤسسات الثقافية، بدأت تبرز على المشهد المحلي عدة مقاهٍ خاصة، بعضها يحمل اسم «المقهى الثقافي» وبعضها الآخر يحمل اسم «مقهى الكتاب»، في محاولات جادة لاستغلال حاجة المثقفين إلى مكان يجمع نقاشاتهم وجدلهم، وقد حقق بعضها نجاحاً لافتاً على الرغم من ندرة عددها وتمركز غالبيتها في الأحياء السكنية الراقية من دون الانفتاح على الأحياء الأخرى الأقل رقياً، ما جعل بعضهم يعتبرها نخبوية ويتردد في دعمها أو التوجه إليها على هذا الأساس. ويأمل عديد من المثقفين في أن يشكل تنامي ظاهرة «المقاهي الثقافية» و«مقاهي الكتاب» نموذجاً ناجحاً لدخول القطاع الخاص لدعم الحراك الثقافي. ويقول الناقد الدكتور سعيد السريحي الذي يعد أحد مرتادي مقهى الكتاب في جدة «إن المقهى الثقافي -كمقهى الكتاب في جدة من شأنه أن يشكل عمقاً حضارياً للمدينة التي تضمه، ويعد واحداً من معالمها، ويمنح أهلها شعوراً صادقاً بأنهم يعيشون في مدينة تنتمي لوعي القرن الواحد والعشرين بأهمية الثقافة والكتاب».