نتأمل حال بعضهم وقد أرهقه لبس الأقنعة قّيدَّت حركته وروحه وفكره، استطاع لبسه بامتياز حتى أصبحت عادة الجميع ارتداء القناع، قناع للعمل، قناع للأهل، قناع للأصدقاء، وقناع للسفر، حتى أصابتنا الازدواجية والصراع بين الخطأ والصواب بين داخل النفس وخارج حدودها فأصبحنا غريبين عن ذواتنا واختفت الحقيقة بيننا، وانعدمت المصداقية بافتقاد التواصل والحوار الموضوعي المنطقي وأصبحنا ندور حول لبس الأقنعة بما يرضي غرورنا أو حتى عجزنا أو خوفنا أو جهلنا حتى اتسمت علاقاتنا بالغموض والتشويش والتحريف، وانقلبت الحقائق إلى غير رجعة حسب كل قناع نرتديه. نجد بعضهم قد أحاط نفسه بهالة من التضخيم واللمعان الزائف في طريقة حديثه وما تجول به نفسه من المفردات والحكايات لا يقنعك حديثه ولا تبهجك كلماته ولا تثق بنظراته، ما الذي يجعل الآخر منَّا يرتدي هذا القناع، هل هو من أجل إرضاء الآخرين؟ أو الشعور بالنقص الذي يحاول بعضهم أن يغطيه؟ أو نتيجة تراكمات المجتمع الذي يعاني هو أيضاً من الازدواجية في التفكير والسلوك بتصرفاته المتناقضة بين الحين والآخر فأُجبر بعض أفرادها على ارتداء الأقنعة؛ لإرضائه والابتعاد عن غضبه. رغم كل ذلك نجد أن المعادن الإنسانية الصافية وإن اختبأت لأي سبب من الأسباب لابد أن تظهر في خجل رغماً عن صاحبها خاصة عندما تثير تلك المشاعر الإنسانية بتجرد تام. يظهر أصل الخير في الإنسان مهما حاول أن يرتدي تلك الأقنعة، لكن ما يقلق هو ظهور هذا الصراع الذاتي بين ما أريد وما يريد الآخرون مني، فعندما تختفي الحقيقة وماذا نريد نفتقد معنى الحياة وطريقة عيشنا أيضاً تختلف مما يجعل الفرد يشعر بمزيد من الغربة والوحدة والانفصال عن باقي المجتمع والأفراد، وكأنه يعيش كذبة أبريل لكنها طويلة الأمد. هل المطالب بالمثالية والكمالية والخوف من المعيب ونظرة الآخر للآخر جعلت أغلب الأفراد يجيدون ارتداء الأقنعة للتخلص من المساءلة والسؤال والمواجهة ففضل أفراده الصمت عن البوح ماذا يريد؟ وطمس معالمها في ارتداء القناع المؤقت في كل مكان يتوجه له، في أعماق هؤلاء الأفراد سنجد الفراغ والإحباط يحيط عقولهم وقلوبهم، لأنه لا يستطيع الإنسان أن يعيش مع اختلاف حقيقته الأصلية مهما كان بارعاً في إظهار عكس ذلك، لذلك لابد أن يكون هناك خلل ما أو ازدواجية في الفكر والتصرف والسلوك وهذا ما يخلق الصراع وعدم التوازن في الحياة، نخفي ما نبطن ونظهر ما يحبه الناس، وهنا يفتقد الإنسان احترامه لذاته وقيمته كإنسان حر في الحياة، وكثيرا ما ظهرت الأمثال الشعبية «كل ما ترغب والبس ما يعجب الناس» المهم الصورة الخارجية تكون أن ترضي الآخرين حتى لو على حسابك وحساب صحتك وحياتك، التوازن مهم ومطلوب في ظل العيش في نظام عالمي ومجتمعي وقانوني ونظم حياتية، أن نحترم الآخر هذا واجب إنساني ونحترم ونتقيد بالنظام هذا واجب نظامي وقانوني ومجتمعي، لكن لا يعني أن نلغي ذواتنا ونرتدي لبس الأقنعة من أجل إرضاء الآخر فقط، لأنك ستصاب بصدمة العمر بأنك لن تصل إلى إرضاء الآخر أبداً وستكون لعبة يتقاذفها من يجدها في يديه، احترام الآخرين لا يعني مجاملتهم على حساب ما تريد، لابد من احترام الذات أولًا بما يتناسب مع قوانين الحياة ومن ثم احترام الآخرين برضا وقناعة وليس إجبار النفس بما لا ترضى ولا تحب، ارتداء الأقنعة يجعل الجميع مصابا بحالة من الهذيان والجمود الفكري والنفسي والمعنوي وإلغاء التلقائية والوضوح والشفافية، وخلق حاجز كبير بين أنفسنا والآخر.