كلكم شاهد المقطع من خطبة الحرم المدني للشيخ الحذيفي وهو يترك الخطبة جانباً ويأمر المصلين بأن يتوقفوا عن التصوير حتى لا تبطل جمعتهم، لحسن حظي أنني كنت شاهد عيان وموجوداً في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أخفي عليكم قدر الدهشة التي اعترتني وأنا أتذكر (من مسَّ الحصى فقد لغى) إلى انشغالنا بما هو أعظم من «مسِّ الحصى». قبل الخطبة بيوم وأثناء السلام على قبر الحبيب وصاحبيه رضي الله عنهما، لفتت انتباهي الأيادي المرتفعة بالجوالات، تحوّل المشهد من لحظات إيمانية إلى صور احترافية ومقاطع فيديو، ولو خرجنا من المدينةالمنورة ورجعنا إلى مدينتك، فسنجد أن التصوير في الوقت الراهن تحوّل إلى هوس و«فلاشات» لابد منها. أصبحنا نعرف أنك تأكل السمك يوم السبت، والخميس تذهب عند جدك، والجمعة تجتمع بأصحابك، هؤلاء المهووسون تحولوا إلى مراسلين صحفيين، غيرهم يخرج للترفيه والتسلية، وهو يخرج ليكتب لنا التقارير ويوثقها بالصور، ففرحته لا تكتمل إلا باللايكات، تسافر مع أحد هؤلاء المرضى، تتحدث معه فلا يجيب، تلتفت إليه وتشاهد على وجهه تلك الابتسامة العريضة البلهاء وقد انحنى رأسه وتركزت عيناه على شاشة جواله، هنا أنت مخيّرٌ بين أن تحطم جواله على رأسه أو تحطم رأسه بالجوال… صديق آخر حذفت رقم جواله، لماذا؟ يكفيني متابعته في الباث (شبكة تواصل تشبه «فيسبوك») وسيحدد لي موقعه الجغرافي بخطوط الطول ودوائر العرض والوقت الذي وُجد فيه بالثانية وأجزائها، «الخصوصيات» هذه الكلمة قريباً ستوضع في المتحف، «الخصوصيات» تساهلنا فيها لأننا ببساطة لا نمتلك شيئاً ثميناً يستحق أن يُطلق عليه (خصوصي)!!