جاء من جازان تلك المدينة الجنوبية الحالمة التي شبهها الفرنسيون بقطعة من الجنة، في رواية الحزام للروائي أحمد أبو دهمان، ولكن باختلاف طقسها عن طقس قرية «أبو خلف» في عسير، أبوعريش القرية الولادة التي تعتبر هي المولد والثدي المورد للثقافة الجازانية، التي مدت ضرعها إلي عواصم الإسمنت الثلاث جدة – الرياض – الدمام، بهجرة مثقفيها ومفكريها وفنانيها ولاعبيها وروائييها ومن ضمنهم صديقي الجيزاني، ذلك الأسمر الذي سحنته شمس الرياض بقيظها وحرها وغبارها حتى اسمرت وجنتاه الغضتان، تسأله متسائلا عن حدث ما يخصه إلا و يباغتك بمفردة بدوية قحة لم تندرج في مخزونه وليست ضمن قواميسه اللغوية (أيبله) التي تعني بدويا بنعم، وإن استنكرها بادرك بنقيضها (لآبله) أي لا، تحوقل عيناك مستغربا إلا وأمطرك ببيت من شعر القلطة (الايامرحبا ترحيبة) موجها بيتا مفتولا بأن تلك ألاعيب لا تنطلي عليه وحركات البدو (دور غيرها). ولصديقي هذا (البدوي الجيزاني) الذي أطلقت عليه هذا اللقب ومقالب و(غدرات) توريطي لا خبيثة بخبث ونبل مني، بأن أضعه بين مجموعة من البدو حتي أورطه لغويا بينهما وأنا أراه كالمزهرية المزركشة في بيت الشعر البدوي، ويردها لي بصاعيه وأن ينتقم من لؤمي معوضا ذلك بموعد لقاء علي ضوئه يتم زجي بين جماعته!! وأجلس بينهما (كالأطرش في الزفة) ويوغل في تمرير تلك الأمثال والحكم الجازانية، التي يقصفني بها كأزيز البرق مسرعا، ولم أستطع فهمها لشدة حلاوتها. ياسر الجنيد الروائي والإعلامي الرائع هذا الياسر له نكهة خاصة لها مذاقها وطيبها ونقاؤها، أصدر روايته الأولى التي عنوانها أنا الإمام، التي تحاكي أحداث حقبة ما أعقبها ذلك التحول الفكري من التشدد إلى الاتزان، وأجوائها، وطقسها الجميل اصطحبته معي إلى الشمال هناك، وأراد أن يردها لي لجازان ولكن لم يفلح في ذلك، فأرسل لي مهجوته الفصيحة (اللغة هي جسد الإبداع وروحها) هيا فينك يابدوي!!