في بضع أبيات شعرية قالها نصر بن أحمد البصري، ورد ضمنها بيت، صار فيما بعد من أشهر الشواهد الشعرية التي يتوارد ذكرها، وهذا البيت هو: إلى الماءِ يسعى من يغصُّ بلقمةٍ فقل: أين يسعى من يغصُّ بماءِ؟! وفي وقت تتوفر فيه كل تقنيات الصناعات الغذائية، إلا أننا نجد مستوى القلق يزداد كلما طالعتنا الصحف المحلية ووسائل الإعلام بما يهدد صحة الجميع ويعرض حياتهم إلى أفتك الأمراض وأخطرها، ويوصلها إلى درجة الموت إثر استهلاك مياه تزداد فيها نسبة مادة كيميائية تدخل ضمن عمليات التعقيم والتنقية، ولكن لتلاعب بعض مصانع المياه وعدم اكتراثها بالمواصفات المسموح بها من الجهات المتخصصة ومنها الهيئة العامة للغذاء والدواء، فإن الأفق يبدو أكثر خطراً بسبب وصول هذا التلاعب إلى درجة الظاهرة بما ينذر بارتفاع منسوب الأضرار والمخاطر التي تحدق بالجميع، وهكذا صار الماء لدينا غصة وقصة طويلة. ومادة «البرومات» هي إحدى المواد التي تنتج أثناء عمليات المعالجة والتعقيم للمياه المعبأة، وتتضح خطورة الوضع الذي نمر فيه حينما تعالت مطالبات أعضاء مجلس الشورى مؤخراً للجهات المختصة بسحب المياه المعبأة التي تحتوي على نسب عالية من مادة «البرومات» من الأسواق، وعدم الاكتفاء بتحذير المستهلك منها. واقترحوا أن تجري الهيئة العامة للغذاء والدواء دراسة موسعة لتنامي ظاهرة استخدام مادة «البرومات» في المياه، حسبما ورد في صحيفة الشرق بتاريخ 2014/1/29م. فمن أخطر الأمراض التي تسببها زيادة نسبة مادة البرومات، إضافة إلى كونها إحدى المواد المسرطنة، هو الفشل الكلوي الذي قارب عدد مرضاه في السعودية 15 ألف مريض في 2013، ويتوقع أن يتضاعف العدد في 2026، في حين تبلغ تكلفة علاج المريض 115 ألف ريال سنوياً. من جهة أخرى، ومشهد آخر لسوء الجودة: تابعنا كيف أن الطريق الحيوي في محافظة القطيف، وهو طريق أحد، الذي يعتبر الشريان الرئيس في ربط شرق المحافظة بغربها، يتم إعادة سفلتة جزء صغير منه في إحدى جهتيه، إلا أن رداءة التنفيذ من المقاول كشفتها مياه الأمطار وتبين سوء تنفيذ وقصور كبير في الجودة والنوعية، في وقت لم تبادر بلدية محافظة القطيف بمتابعة ما كانت مسؤولة عنه عبر المهندس المشرف والفريق الإداري، وهذا ما بينته تصريحات رئيس المجلس البلدي في المحافظة السيد شرف السعيدي حينما لم تصمد السفلتة أسبوعاً لعدم الالتزام بالمواصفات المعمول بها حسب ما ورد في صحيفة الشرق بتاريخ 2014/1/17م، وهذا ما جعل الأهالي في القطيف يتذمرون باستمرار ويشتكون من طرقها وشوارعها، لدرجة أنه في شارع القدس هو الآخر وعند مبنى المحافظة نجد الآن حفراً وهبوطات في طبقات الإسفلت تتعرض لها المركبات مما يتسبب في سرعة إتلافها وربما تسببت في حوادث مرورية، وكل ماجرى مؤخراً لايتجاوز ترقيع هذه الهبوطات بتنفيذ غير تام وكأن بلدية المحافظة في واد والمحافظة في واد آخر، وصار حال الأهالي مع بلدية المحافظة ينطبق عليه قول الشاعر: المستجير بعمروٍ عند كربته، كالمستجير من الرمضاء بالنار. وواقعاً، فإن ما يجمع بين ما ذكرناه هو عدم الالتزام بمعايير الجودة والنوعية، وعدم قيام الجهات ذات العلاقة سواء في البلديات أو وزارة التجارة أو الصناعة ونحوها بالدور الذي يتطلب أداءً يحمل جودة إدارية حتى يتم حفظ الأنفس، ولا يهدر المال العام بارتفاع تكاليف الصيانة والتشغيل أو انخفاض العمر الافتراضي لمستوى الخدمات المذكورة، وكثير منا يتساءل بأننا وفي زياراتنا لأهلنا في دول مجلس التعاون الشقيقة نجد مستوى خدماتي في الطرق ونحوها ما يضع الكرة في ملعب الجهات ذات العلاقة، مطالبين بمستوى خدماتي أكثر رصانة وتماسكاً، فلقد كثرت المتاعب، حتى تمثلنا بقول الشاعر: تكاثرت الظباء على خراش، فلا يدري خراش ما يصيدُ. فالكلام يبدأ ولا ينتهي في أكثر من مشكلة ومنها سوء الجودة في كثير من إطارات السيارات المعاد تصنيعها محلياً بعد تدوير تلك التالفة. إن عدم الأمانة هو خلاف النزاهة، بل هو غش وفساد ولاسيما التقصير فيما يرتبط بصحة الإنسان وسلامة حياته وورد في حديث صحيح عن النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله: «من غشنا فليس منا».