في خضم التهميش للثقافة والفنون في بلادنا، عبر التقتير الممنهج في الصرف على جمعيات الثقافة والفنون، والتخبط الإداري في الأندية الأدبية، وتجاهل وزارة الثقافة والإعلام الأزمات المتوالية التي تعاني منها ذراعاها الثقافيتان، يأتي مهرجان الجنادرية ويليه معرض الكتاب الدولي في الرياض، وهما مهرجانان ثقافيان، يعتبرهما المتابع أهم المحركات في المشهد الثقافي السعودي. حيث توفر لهما القوة المالية والبشرية، كما أنهما ينطلقان من خبرة تراكمية عريضة، فالأول «الجنادرية» يحمل النجمة 29 على أكتافه، أي أكثر من ربع قرن متواصل من العمل والتنظيم والخبرة، في حين يأتي معرض الكتاب بعمر أقل ولكنه مرتكز على خبرتين محددتين، هما تنظيم مشاركة دور النشر، إلى جانب برنامج منبري للمحاضرات. المتوقع من الجنادرية أنه بنى آلياته واستوى في تجهيزاته عبر هذا العمر الطويل، والمعرض بالمثل، إلا أننا نلحظ العكس، فبرنامج الأمسيات للجنادرية شابه من العوار كثير، فغالبية الأسماء المعلن عنها لم تحضر، وبعضها الآخر لم يعلم بدعواته لها، وبعضها لم يجد الحيز المناسب لتقديم ما جاء من أجله، كنت أظن أنني الوحيد الذي تم التعامل معه بطريقة غير لائقة، فبعد أن نقل لي من أصدقاء علمهم بوجود اسمي في برنامج الأمسيات المشاركة في الجنادرية، بادرت بالاتصال للتأكد، وعندما أوصلت للمنظمين بريدي الإلكتروني، جاءت دعوة موقعة بتاريخ يتجاوز الشهر ولم تصل في حينها، مرهونة بالتنسيق مع المنظمين الذين لم ينسق منهم أحد معي، بل وتم الإعلان عن مشاركتي دون علم مني، ربما كنت سأتجاوز الأمر لو كان ما حدث موجهاً لي وحدي، لكني قرأت أسماء شعراء أصدقاء مشاركين في أمسيات أخرى، فاتصلت بهم لأرحب بهم وأدعوهم للقاءات جانبية، وبعضهم من خارج البلاد، فإذا بهم لا يعلمون بالدعوات هم أيضاً. أما ترتيب الأمسيات التي يتم حشر أكثر من ستة شعراء دفعة واحدة فيها، فهذا لا علاقة له بالشعر ولا بالتنظيم. وفي الجانب الآخر يقترب معرض الكتاب، الذي أخذ على نفسه أن يكون في مطلع شهر مارس من كل عام، وتأتي أخباره من دور النشر التي لم تصلها موافقات المشاركة ولم يتبقَّ على المعرض سوى أيام لا تكفي غير عمليات الشحن الجوي الباهظة التكاليف، مما نتوقع أن تتحملها جيوب القراء ومرتادي المعرض، أما البرنامج فالأخبار تتغير لحظة بلحظة، والأسماء المعلن عنها تستبدل بأخرى، و«قروبات واتسآب» تدير وتوجه وتستضيف من تشاء. هل نحن في حاجة إلى عقد مقارنات مع كيفية المشاركة في مهرجانات ثقافية في أنحاء العالم، ومدى الاحترافية والجدية المقرونتين بالعرفان عند تلقي دعواتها (أعني بالتقدير الذي يظهره سلوك المنظمين). أكتب هذه الكلمات رأفة بالثقافة والمثقفين، أعيدوا لهم احترامهم، ولنغرس في قلوب كل من يعمل في الإدارة الثقافية أن دعوة المثقف ليست مِنة، عليه أن يتحمل صاغراً أذاها. لهذا لن أقبل أن أشارك في الجنادرية، ولا في غيره من نشاط ثقافي، في حال استمرار التعامل مع المبدعين بهذه الطريقة غير المسؤولة.