لم تعرف الإنسانية دراسة قوى النفس تجريبياً إلا في ثلاثينيات القرن العشرين. وقد اعتبر بعض العلماء هذا النوع من الدراسة نوعاً من الردّة العلمية ورجوعاً للخرافة والسذاجة. إلا أن مراكز دراسة القوى النفسية استمرت في عملها خلال القرن العشرين وبعده، فخرج قانون الجذب كواحد من أهم نتائج هذه الدراسات. خلاصة هذا القانون إن للأفكار قوة مغناطيسية كما أن لها تردداً وتذبذباً، ويمكن التقاط هذه الذبذبات تماماً مثلما تعمل القنوات الفضائية. وعندما تفكر في شيء فإنك ترسل أفكارك إلى الكون فإنها تجذب إليها مغناطيسياً كل الأشياء الشبيهة بها مما يكون على نفس التردد أو التذبذب. فالإنسان مثل الأقمار الصناعية التي تبث للعالم، يبث تردده بأفكاره، وإذا أردت أي شيء كان، فما عليك إلا أن تغيّر التردد. وأفكارك الحالية تشكل حياتك الحالية، فإن كنت تريد حياة غيرها فغير طريقة تفكيرك وأفكارك. فأفكارك تصير وقائع فيما بعد. وقانون الجذب حيادي مثل قانون الجاذبية الأرضية وهو لا يعرف ما تريد لكن ما تفكر فيه يحدث لك. لا شيء يمكنه أن يدخل حياتك إلا باستدعائك له وإلحاحك. ولكي يعمل قانون الجذب فلا بد أن تقوم بثلاث خطوات: -1 اطلب. -2 آمن بتحقق ما طلبت. -3 تلق ما طلبت فإنه في الطريق إليك. ولذلك يجب على الإنسان أن يتوقع الأمور التي يريدها وألا يتوقع ما لا يريد. وأن يحرص على أن يكون دائماً متمتعاً بمزاج جيد ومتفائلاً. وبعض من كتب في قانون الجذب حاول أن يربط هذا القانون بعلم الفيزياء الكمية وقد تتبعت هؤلاء، فوجدت أنهم عند المحاققة يقولون إنهم يربطون بين علم الفيزياء الكمية ربطاً مجازياً لا حقيقة له. ومنذ أن قرأت أول مرة عن قانون الجذب منذ خمس سنوات، وأنا أتتبع كل ما يكتب عنه، فوجدت أن الأمريكي الدكتور واين داير وهو أستاذ في علم النفس ما زال على قيد الحياة في زمننا هذا، هو أول من أبرز الحديث عن قانون الجذب في زماننا، وأكسبه زخماً عالمياً برغم أنه كان معروفاً من قبله، وهو يعتبر أحد أكبر المعلمين الروحيين المؤثرين في العالم من حيث عدد أتباعه. وتشبه واين داير، معلمة اسمها استير هيكس، ألفت عدداً من الكتب في هذا المضمار. وقد قرأت كل ما كتبه هذان الاثنان وغيرهما كثير منهم: براين تريسي وروندا بيرن، جامعة كتاب السر، وأسماء كثيرة جداً من مقلديهم في العالم ومن ضمنهم مقلدون عرب. وأغلب الكتابات، واقعاً، هي كتابات تسويقية شعبية لا تحمل عمقاً، إلا واين داير واستير هيكس. ما يجب قوله أولاً، هو أنني قد وجدت هذين الاثنين ينتهيان إلى القول بوحدة الوجود، على طريقة أبي منصور الحلاّج وابن عربي الطائي وغيرهما ممن عرفهم تاريخ الفكر في الإسلام. وعقيدة وحدة الوجود هي عقيدة فلسفية كفرية منافية لعقيدة التوحيد، فالتوحيد نفي وإثبات، إثبات لألوهية الله ونفي للألوهية عمن سواه سبحانه وتعالى. أما دعاة وحدة الوجود فيقولون إن كل ما في الوجود جزء من الكائن الإلهي الواحد. لكي نتصور هذه المقولة جيداً، لا بد من القول إنه ليس صحيحاً ما يتصوره بعضهم من أن وحدة الوجود تعني اتحاد الخالق بالمخلوق لأنهم لا يؤمنون بالخلق أصلاً، بل يرون أنه لا وجود لشيء خارج الكائن الإلهي. فكل إنسان إله، وكل شيء إله، وكل شيء نراه هو جزء من الكائن الإلهي الواحد الكامن في هذا الوجود. إذن فبناء على قانون الجذب فإن الإنسان يحقق السعادة ويحصل على كل ما يريد لأنه إلهي، أو لأنه جزء من الكائن الإلهي الذي يسمّيه واين داير واستير هيكس (المصدر). وما على الإنسان إلا أن يتواصل مع هذا المصدر لكي يصل لحالة اليقظة أو الاستنارة. وهذا الكلام كله كفر ما بعده كفر وخسارة ما بعدها خسارة، فما فائدة الإنسان إن تحققت له بعض الرغبات الدنيوية، وخسر دينه وآخرته، فكان من أصحاب الجحيم. وقد أعجبتني كلمة لأستاذ الفلسفة ج. م. بيرنشتاين في شرح مسجل على شبكة الإنترنت لكتاب ظاهريات الروح لهيغل يحمل اسم (Bernsein Tapes) حيث قال: إنني أفهم ما معنى أن يكون الإنسان مؤمناً، وأفهم ما معنى أن يكون الإنسان ملحداً. أما وحدة الوجود، فإنني أقدم كرسيي هذا لمن يستطيع أن يشرح لي حقيقة هذا القول. قد يقال إن بعض ما ورد في قانون الجذب صحيح، ومنه ما يوافق القرآن الكريم والسنة الصحيحة، من ذلك أن التفاؤل والإيجابية والمثابرة سبب للسعادة والنجاح. وهنا نقول إنه لا حاجة لقانون الجذب إذن، ما دمنا نجد الحث على الإيجابية والتفاؤل والحياة السعيدة والدعوة للنجاح في القرآن والسنة وسيرة سيد البشر الذي ما مشى أحدُ مشيته قط، صلّى الله عليه وسلّم. كما أن الخلاف مع دعاة قانون الجذب هو خلاف عقدي جوهري جذري، فهم لا يقولون مثلما نقول إن الدعاء وسيلة لتحقيق الأمنيات، بل قولهم يعني استغناء الإنسان عن الله، حتى وإن زيّفوا عقيدتهم وحاولوا تقريبها من الدين وإلباسها طرفاً من ثوبه. لذلك نجدهم يدعون لوحدة الأديان، ونجدهم يقولون إن قانون الجذب يمكن أن يستفيد منه المؤمن والملحد على حد سواء. ها هنا اختلفت المناهج وتباعدت السبل، ولا يمكن أن يجتمع المسلم الذي يدعو الله المتعالي راغباً وراهباً، مع دعاة قانون الجذب الذين يجعلون كل شيء بيد الإنسان، ويجعلون الإنسان نفسه جزءاً من الكائن الإلهي، بل ويجعلون كل ما في الكون جزءاً من الكائن الإلهي، فهذا القول في حقيقته إنكار لوجود الله.