ذكر الله تعالى في كتابه الكريم عِظم أجر بر الوالدين في عدة آيات، قال جل وعلا: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً» (الإسراء: 23-24). ارتبط بر الوالدين بالتوفيق في الدارين، وتزيد أهمية بر الأم عن الأب كما ورد في بعض الأحاديث، ووجودهما على قيد الحياة نعمة عظيمة لا يحس بها إلا من يفقدها. المبتعثون في بلاد الغربة يعانون الأمرَّين، فإرهاق الدراسة من جانب وألم الغربة والحنين إلى الوطن والأهل من جانب آخر. فعندما يحين موعد السفر وحزم الحقائب تبدأ آهات الوداع والألم والحنين أو بما يسمى (Homesick)، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فبعد الوصول إلى بلد الابتعاث يصبح تفكيرهم مشغولاً في صحة الوالدين وخصوصاً عند كبرهما في السن. وقفت على قصة بر للأم، بطلها طالب مبتعث -اسمه حسن- يدرس الماجستير في الهندسة الميكانيكية بجامعة تُعد من أفضل الجامعات في العالم. في خضم ضغط الدراسة ومشاغل الحياة تلقى حسن اتصالاً من والدته، التي كانت في حالة حرجة، وتحتاج إلى إجراء عملية جراحية عاجلة في أحد المستشفيات المتخصصة في القلب بالولايات المتحدةالأمريكية. لم يتمالك حسن نفسه من البكاء والحرقة على حال والدته المريضة، وأصرّ على أن يذهب بنفسه لإنهاء إجراءات والدته في السفارة، كي تستطيع العلاج والمكوث معه في بلد الدراسة. بعد فترة قصيرة، أنهى جميع الإجراءات المتعلقة بالسفر، ووصل إلى أمريكا مع والدته. ولسوء الحظ أن المستشفى الذي تنوي والدته العلاج فيه يقع في مدينة بعيدة عن المدينة التي يدرس فيها، لذلك قرر التنقل بين المدينتين لمتابعة دراسته والوقوف مع والدته. بعد شهرين من الضغط الذي تلقاه بسبب الهموم التي يحملها في قلبه، بدأت الأخبار السارة تأتي تباعاً، أولها نجاح عملية والدته وخروجها من المستشفى، وثانيها تخرجه بتقدير امتياز. همزة: أخي وأختي.. لا تجعل الدراسة ومشاغل الحياة تلهيك عن بر الوالدين، فوالله توفيق الله مقترن بهما، وما قصة المبتعث حسن عنها ببعيد.