تكشف رسالة الماجستير للباحث الاجتماعي محمد الحمزة، في دراسة «الأسرة في مدينة صفوى في محافظة القطيف»، وهن دعاة التفرقة المذهبية في المجتمع السعودي، وتظهر أول ملامح الدراسة في كون الباحث ينتمي إلى المذهب السني من جنوب المملكة، فيما مجتمع الدراسة شيعي في المنطقة الشرقية، وموقع مناقشة الرسالة، التي مُنح على إثرها الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض. وما يظهر في الرسالة من نتائج لا يقل أهمية عما وصل إليه الباحث من تعايش وعقد صداقات مع مجتمع البحث، استمرت حتى بعد الانتهاء من رسالته، مدللاً بذلك على أن «الاستماع إلى الآخر يؤتي ثماراً حتى لو لم يكن هناك اقتناع بين الطرفين»، كما يقول في منتدى الثلاثاء الثقافي ضمن أمسية «الأطر التقليدية.. تحديات الانفتاح»، مؤكداً حينها على أن التعايش بين أطياف المجتمع المتشابه في كل شيء كفيل بإيجاد جو من التعاون وتبادل الخبرات في معالجة القضايا الأسرية التي تشكل هاجساً أمام الجميع. الدراسة تحت عنوان «الأسرة والتغير الاجتماعي في مدينة صفوى بمحافظة القطيف – دراسة أنثروبولوجية»، واستهدفت معرفة البنية الأسرية، من خلال دراسة نمط الأسرة وأشكال الزواج فيها، ودور أفرادها، وتحديد النسق المؤثر فيها، ومعرفة العوامل المؤثرة فيها، من خلال دراسة عوامل التغير الاجتماعية والثقافية، ودراسة مشكلاتها الاجتماعية والأسرية. وذكر الحمزة أن الدراسة استخدمت المنهج «الكيفي» عبر استخدام الملاحظة للمجتمع المراد دراسته في فترة زمنية قاربت السنة، واستخدم فيها مقابلة عدد من أفراد المجتمع في مدينة صفوى، وبناء دليل مقابلة خاص بذلك، إضافة إلى استخدام المنهج الوصفي والتاريخي لدعم الدراسة. واعتمد الباحث في دراسته على التواصل المباشر مع الناس من الملاحظة والمشاركة ودراسة الوثائق. وبيّن أن الدراسة خلصت إلى عدة نتائج، منها أن الأسرة في مدينة صفوى محافظة وتقليدية، واتجهت من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النواة، وبدأت تأخذ مرحلة جديدة وهي «الأسرة الممتدة المستقلة»، وأن الزواج يأخذ في شكله العام الزواج التقليدي وفق الشريعة الإسلامية في أحكامه المبنية على المذهب الشيعي، الذي لا يختلف عما عليه لدى المنهج السني في الشروط الشرعية. وأوضح أن النسق الديني يعتبر مؤثراً بدرجة كبيرة في المجتمع بصفة عامة، فعلماء الدين هم الرموز بالنسبة للمذهب الشيعي، ويتمتعون بحضور قوي وتأثير كبير في الأسرة، وأن للشركات الكبرى دوراً في انفتاح أفراد الأسرة على مظاهر الحياة العصرية، كما أن المناسبات الدينية لها دور كبير؛ إذ تعمل على تنمية الوعي الديني، وتقوية العلاقات الأسرية والمحافظة على أخلاق وقيم الأسرة، وإيجاد أسباب التعاون والتكافل الأسري. وبيّن أن أبرز المشكلات المجتمعية التي توصلت لها الدراسة تتمثل في البطالة، والمخدرات، وضعف الوازع الديني، وضعف تواصل الجيران، وتحسس السلبيات من المشاريع الاجتماعية، وغلاء المعيشة، وأزمة السكن، وتلوث البيئة بسبب الشركات ما سبّب عدداً من الأمراض. واعتبر الحمزة المشكلات لا تخص مجتمع مدينة صفوى على التحديد، وإنما تشمل جميع المجتمعات الصغيرة في المملكة، مبينا أنها تعاني من ذات المشكلات. ظهر خوف الباحث الحمزة من رفض رسالته مع أولى الخطوات التي قام بها، وبخاصة أنها جاءت في وقت تعج فيه منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ب»شحن طائفي». ويذكر الحمزة أن أول ملاحظة تعترض اختيار مجتمع البحث كانت من قبل أحد المناقشين للدراسة، موضحاً: سألني لماذا اخترت القطيف في الدراسة وليس غيرها؟ لماذا لم تختَر الرياض أو أي منطقة أخرى؟ وكانت إجابتي: إن كان الأمر يتعلق بالوطنية فمجتمع القطيف سعودي، وإذا كان الأمر إسلامياً فهم مسلمون، وإذا كان إنسانياً فهم مجتمع إنساني، ونحن كباحثين يفترض بنا استخدام أدواتنا في خدمة الإنسان. وتكمن الإشكالية الأخرى للدراسة في دراسة المجتمعات الصغيرة، سواء في القطيف أو جازان أو الحجاز؛ حيث إنها قليلة جداً، ويذكر أنه وجد دراسة واحدة فقط تتحدث عن مجتمع عنيزة. ويبين أن: منبع فكرة دراسة المجتمع الصغير في صفوى جاءت بعد اطلاعي على إصدارات من «مركز البيت السعيد» في مدينة صفوى، وبعد أن عرضتها على المشرف على الرسالة، وافق على اقتراحي أن يكون موضوع الدراسة «الأسرة في صفوى». وعمل الباحث طول فترة دراسته بصمت؛ حيث لم يعلن عن موضوعها في الوسط الأكاديمي، ويقول: بعد إقناع العميد بموضوع الدراسة، اتفقنا على عدم الإعلان عن الموضوع حتى الانتهاء منها، حتى لا يؤثر أحد في الموافقة أو على سير الدراسة. وفيما اتجهت الدراسة بسلاسة، تفاعل المناقشون لها معها، وكان أول قرار صدر من أحدهم تصغير عنوانها إلى «الأسرة والتغير الاجتماعي في صفوى»، بدلاً من العنوان الطويل «البنية الأسرية والعوامل الاجتماعية المؤثرة عليها – نمطها وتغيراتها ومشكلاتها – دراسة اجتماعية باستخدام المنهج الكيفي في مدينة صفوى في محافظة القطيف». فرض منهج الدراسة «الكيفي» على الباحث التواصل مع مجتمع الدراسة مباشرة، ويشير إلى ذلك بعقده لقاءات وحضور مجالس وديوانيات في صفوى، موضحاً: ما قمت به هو تصوير لما رأيته، وأنقل ما أراه من أهل صفوى إلى الأوراق، مسجلاً ملاحظات حول الزواج والحزن والفرح وغيرها من علاقات بين الأب وابنه وأسرته. ويذكر: كانت لديّ وسيلتان في دراسة المجتمع: الأولى ملاحظة الناس الذين اختلطت بهم، والثانية نموذج استطلاع يضم أسئلة موحدة يجيب عنها أفراد من مجتمع الدراسة. ويرى أن المشكلات التي لاحظها لا تخص المجتمع الصغير في صفوى وإنما تشمل كل المجتمعات الصغيرة في المملكة. ورفض الباحث عروضاً بلقاء رموز دينية أو وجهاء في مجتمع القطيف، ويبرر ذلك ب»أن ما أردته هو لقاء الناس فقط، وحتى لا يكون هناك أي تأثير خارجي من الرموز أو المؤسسات على سير الدراسة». يعمل الحمزة على إنجاز كتاب مستمد من فصل واحد من الدراسة؛ ليكون في متناول الناس وليس المتخصصين فقط، ويتناول في كتابه «القطيف من الداخل.. رؤية اجتماعية»، مبيناً أن: جهات عدة وشخصيات عرضوا طبع الرسالة كما هي، لكنها لن تعود بالفائدة إلا على المتخصصين فقط؛ لذلك فضلت العمل على تأليف كتاب مستمد من فصل منها؛ ليكون في متناول الجميع، معلناً أن «حق الطبع مكفول لأهل صفوى».