كتب أحد الشعراء البارزين في موقع التواصل الاجتماعي الشهير، الفيسبوك مفصحاً عن حنينه إلى أيام النشر الكلاسيكي للنصوص الشعرية والإبداعية عموماً عبر الجرائد والمجلات الأدبية المتخصصة، موجهاً سهام نقده لما بات ملحوظاً من انفتاح الباب على مصراعيه لكل من سوَّلت له نفسه «الأمَّارة بالكتابة» أن «يخربش» فوق جدار الفيسبوك، على سبيل المثال، كتابات عرجاء تفتقر إلى أبسط المقومات الجمالية والإبداعية بل وحتى اللغوية البسيطة، ليحصد على الرغم من ذلك أكوام «اللايكات» والتعليقات التي تكيل له الثناء، وتمطره بالمديح الذي يمط عنقه حتى يوشك رأسه أن يطال النجوم. في حين أن وسائل النشر التقليدية ما كانت تتيح لكتابات هؤلاء أن تتجاوز الصفحات أو الأركان المخصصة للأقلام الواعدة في أحسن الأحوال. ومن المنصة نفسها، أي الفيسبوك، كتب شاعر بارز آخر معلناً عن عزوفه النهائي الذي لا رجعة فيه عن النشر التقليدي في الصحف والمجلات مكتفياً بما ينشره في مواقع النشر الإلكتروني سواء عبر الفيسبوك أو في موقعه الشخصي، وأورد لتبرير اتخاذه مثل هذا القرار أسباباً منها أنه لا يريد أن يكون تحت رحمة المحررين الثقافيين الذين قد يؤخرون نشر نص ما لفترة زمنية طويلة، أو (وهو الأسوأ بما لا يقاس) يُبيحون لأنفسهم أن يُعدِّلوا بعض أجزاء ومفردات النص، أو يقوموا بحذف أجزاء منه دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الإشارة إلى مواضع الحذف لكي يدرك القارئ أن هنالك ما تم حذفه. يُضاف إلى ذلك بالطبع الإهمال الذي قد يكون النص عرضة له لجهة جودة الإخراج والمساحة التي يشغلها من صفحة الجريدة. كلتا وجهتي النظر هاتين تتضمنان وجاهة ما، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى الأمر من الزاويتين المختلفتين اللتين يُنظر من خلالهما إلى مسألة النشر في هذا السياق، ولكن الكفة فيما يبدو تميل صوب الرأي الذي يطرحه الشاعر الثاني من خلال ما بتنا نراه ونلمسه من توجه عدد كبير من الشعراء لنشر نصوصهم في مواقع التواصل الاجتماعي أو مدوناتهم أو مواقعهم الشخصية مباشرة، وفي الأغلب فور كتابتها دون انتظار إرسالها إلى هذه الجريدة أو تلك المجلة الشهرية أو الفصلية، محققين بذلك تفاعلاً فورياً مع القارئ ودون أن تمتد يد المحرر، الرقيب لتعبث في نصوصهم لأي سبب من الأسباب وتحت عنوان أي حجة من الحجج. ولن يكون من المبالغة القول إن نشر النصوص الإبداعية إلكترونياً، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يشكل ظاهرة لافتة في السنوات الأخيرة، حيث أصبح من الممكن الحديث عما سميته في مقالة سابقة لي عن «ورشة الفيسبوك الشعرية»؛ إذ صار الشعراء والقراء يدخلون في حوارات آنية حول النصوص التي يتم نشرها في الموقع، ويبدون ملاحظاتهم عليها، ويقدمون شكلاً من التقييم الفوري لها، فيما يشبه وضع الشاعر نصوصه على محك ذائقة المتلقي الذي لم يعد مجهولاً بشكل شبه مطلق كما كان سابقاً. وختاماً، حين تنشر نصك بنفسك إلكترونياً ستضمن أن يصل إلى القارئ بالصورة التي أردتها أنت كمبدع دون زيادة أو نقصان أو تدخل هذه اليد أو تلك فيه. أما حين ترسله إلى إحدى وسائل النشر التقليدية فلن يكون بوسعك إلا أن تنتظر وتترقب وتمنّي نفسك بأن يخرج نصك بأقل قدر ممكن من التدخل والتشويه.